|
الجزيرة - أحلام الزعيم:
«أنا توني عريس» بهذه الكلمة البسيطة كان يعبر أحد المصابين في حادث انفجار الرياض عن هلعه الشديد من الحروق التي أصابته في الحادث كما تروي المشهد ذاكرة الدكتورة منى الجهني. طبيبات صادفت مواعيد دوامهن ساعة حدوث انفجار الرياض فانشغلن عن كل ما هو خارج مستشفاهن وأدين مهمتهن كملائكة رحمة. «ارتجت المستشفى كاملة عند وقوع الانفجار» هكذا تروي الجهني لحظة الحدث وهي في مستشفى الحرس الوطني القريب من موقع الحادثة, وما هي إلا لحظات حتى أعلن المستشفى حالة الـcode black أو التأهب الشديد.» خطة كوارث تدربنا عليها موضوعة للأزمات بدأ تطبيقها فور إعلان حالة التأهب لتتحول أقسام المستشفى والطوارئ خاصة إلى خلية نحل يعرف كل فرد من أفرادها المهمة الخاصة به, ويتم استدعاء كافة التخصصات الطبية الأخرى للمساندة وكافة المنسوبين من الأطباء والممرضين الذين خرجوا لانتهاء فترة عملهم». الدكتورة وجدان العساف لم يمض على وصولها للرياض إلا ساعات قليلة كانت تؤمل نفسها أن تكون مريحة, لكن الاستدعاء الفوري من المستشفى الذي تقتضيه حالة الـcode black قضى على هذه الخطة لتجد نفسها تلبي نداء الواجب وتهرع إلى المستشفى متناسية أي إرهاق تعانيه. «التجمهر والطرق المغلقة أجبرتني أن أسلك طرق أخرى للوصول إلى المستشفى, لكن كان همي الأول أن أصل بأسرع طريقة ممكنة, فهذه أول حالة استدعاء تحصل لي بهذا الشكل وهو ما يعني أن الأمر مهم وملح». وبعيدا عن كونهن طبيبات فإن عائلاتهن من جهة ثانية كن في قلق من نوع خاص كما تقول العساف كون بناتهن في هذا الموقف الصعب والخطر والمختلف عن المعتاد, غير أن ذلك لم يكن حاجز يعثرهن في طريقهن للحاق بمن في المستشفى.
«المريض المتألم هو عائلتي» هكذا أجابتني الدكتورة وفاء الخميس عندما سألتها عن تفكيرها بالسؤال عن أهلها ومعارفها وقت الانفجار والاطمئنان على سلامتهم. ورغم أن الدكتورة وفاء كانت خارجة من المستشفى قبيل الانفجار بوقت قصير لانتهاء مناوبتها الليلية, إلا أنها فور سماع صوت الانفجار أدركت أن خطر ما حدث وأن عليها الاستعداد للعودة. «بدأت أستعد للعودة للمستشفى قبل أن يأتي الاستدعاء, وبمجرد بدأت طريق العودة حتى بدأ الاستدعاء وتأكدت ظنوني». سألت الدكتورة وفاء عن مدى قدرتها على العمل في هذا الظرف في الوقت الذي انتهت مناوبتها الليلية قبل وقت قصير جدا من الانفجار ولم تنل أي قسط من الراحة فكانت الإجابة «في هذا الظرف كل التركيز والانتباه يستدعى, في هذه الحالة تنسى الإرهاق والحاجة إلى النوم ويكون القلق على المرضى هو المنبه الأول والدافع الأول للعمل».
السابعة صباحا تعني في حياة الأطباء والطبيبات موعدا ثابتا لبداية/ ونهاية فترة عمل. ما يعني أن معظمهم في هذا الوقت يكونون في سياراتهم باتجاه المستشفى أو باتجاه منازلهم, ولهذا كان القلق على الذين انطلقوا إلى منازلهم قاسما مشتركا لدى كل الأطباء في المستشفى, كونهن قد يكونوا معرضين للتواجد في مكان الحادث وقت وقوعه. تقول الطبيبتان الخميس والجهني إنهما بعد السيطرة على الأزمة وإنهاء حالة التأهب القصوى قبيل الواحدة ظهرا بدأتا تسترجعان ما حدث وبدأتا اتصالاتهما للطمأنينة على زملائهما ممن غادروا المستشفى عند السابعة. وتبتسم الجهني وهي تقول «أحمد الله أن أهلي كانوا نيام عند وقوع الانفجار وأنهم لم يعرفوا به إلا من خلال روايتي لتفاصيله وإلا لكان لقلقهم علي نكهة لاذعة».
«يوم لا يمكن نسيانه, رغم أننا دوما في حالة استقبال طوارئ» لكن في نهاية اليوم لا تتبع هؤلاء الطبيبات إلا طريقة واحدة في التفكير بإيجابية: «كم روح ساعدت في حفظها اليوم» بهذه الطريقة فقط يستطعن تجاوز ما حدث والتفكير في أفضل أداء كان من الممكن تقديمه. ولم تنس الجهني أن تختتم بابتسامة «الحمد لله شعرنا بالفخر أن كل الحالات التي وصلتنا لم يتوف منها أحد وهذا أهم ما نسعى إليه».