وجَّهت اللجنة المالية بمجلس الشورى انتقاداً لهيئة السوق المالية تركَّز على طريقة تعاطيها مع المخالفات التي يرتكبها المتداولون بالسوق، وأيضاً إدراج بعض الشركات غير المؤهلة للسوق حسب وجهة نظر اللجنة، وكذلك استمرار سيطرة التداول الفردي بالسوق المالي على حساب المؤسسي.. وبالتدقيق في كل ما ورد من ملاحظات اللجنة المالية بالشورى، فإن ما رُصد من مخالفات لتداولات السوق
تم حل تسعين بالمئة منها مباشرة، بفرض غرامات من الهيئة دون إحالتها للجنة فصل المنازعات الخاصة بالأوراق المالية وعددها 166 مخالفة من أصل 186، وتعتبر اللجنة ذلك مخالفة للوائح المنظمة لعمل السوق والرقابة فيه، إذ كان يفترض الفصل فيها كلها قانونياً واتباع الطرق التي اتبعت في المخالفات التي صدرت بها أحكام من لجنة الفصل بالمنازعات.
من الوجهة العامة يقرأ المقيمون للاستثمار بالأسواق عامة أن ذلك ينطوي على ازدواجية بمعايير العمل التنظيمي للسوق إذ يفترض أن لا تكون بالسوق سوى جهة واحدة تصدر أحكامها اتجاه المخالفات فقرار الهيئة للغرامة مباشرة ينطوي على مخاطر عدة منها أن السوق يحتكم لمعايير قضائية متباينة إذ إن من يقبل دفع غرامة مباشرة، وهي تُعد بمثابة تسوية مصالحة مع الهيئة يستفيد من عدم التشهير به كمخالف، وهذا مخالف للنظام الذي يفرض التشهير للمخالفين بالإضافة لأن هذا الإجراء قد يوجه بعض المتهمين بالمخالفة للتسوية دون التثبت من حجم مخالفته، وهل هي مخالفة تستدعي التغريم وبذلك فإن مجمل النظرة لعدالة الفصل بالقضايا تصبح عائمة وتحمل الكثير من الغموض وتعطي انطباعاً ظاهرياً، وكأن المخالف أمامه فرصة للإفلات من بعض العقوبات بقبوله دفع غرامة تسوية، وكذلك أيضاً فإن إقرار غرامة مباشرة دون فصل قانوني يحرم المتهم بالمخالفة من فرصة التفكير بأنه بريء من المخالفة، وبالتالي فإن من واجب الهيئة أن توضح للمستثمرين معايير نظام الفصل بالمخالفات إذ إنني أفهم من إجراء الهيئة أنها تعتمد نظاماً ثابتاً بأن الغرامة على المخالف لها معيار واضح يستوجب الدفع مباشرة كباقي المخالفات بأنظمة الأجهزة الحكومية الأخرى، وأن اللجوء للجنة الفصل يكون فقط عند اختلاف وجهة نظر الهيئة والمستثمر المخالف للأنظمة، إلا أننا ننتظر أن يُوضح ذلك من هيئة السوق نفسها.
أما الملاحظة الأخرى حول إدراج الشركات غير المؤهلة والتي واجهت العديد منها مشاكل مالية وتشغيلية وتتركز بالشركات الجديدة والتي تطرح بالقيمة الاسمية وجلّها بقطاع التأمين، وكذلك قطاع الاتصالات بخلاف قطاعات أخرى، فإن ملاحظة اللجنة المالية بالشورى في محلها، ولكن يجب أن لا ننسى تذكير لجنة الشورى بأن بعض القطاعات تخضع لقرارات في آلية إدراجها لم تصدر من الهيئة كشركات التأمين التي تشرف عليها مؤسسة النقد ونظام التأمين يلزم إدراجها للاكتتاب العام، فإن الواجب النظر بهذه الآليات ومناقشة الجهة التي ارتأت ضرورة إدراجها مباشرة عند تأسيسها، وكذلك جوهر الأسباب التي أثقلت كاهل هذه القطاعات أو الشركات مالياً، فإذا كان هناك أنظمة تعطل نشاطها فيكون السبب بتعثرها ليس إدراجها بالسوق، بل بيئة عملها كما أنه من المفترض أن تقوم الهيئة بتقسيم السوق المالي لعدة أسواق تختلف آليات تعاملاتها، مما يُقلل من المخاطر على المستثمرين، وذلك وفق وضع الشركات كالجديدة ومن بحكمها، بالإضافة لإنشاء سوق للشركات المساهمة المقفلة والذي يُسمى عالمياً سوق خارج المقصورة بحيث تُهيئ هذه الشركات لكي تكون مساهمة عامة، ويسمح هذا السوق بالحفاظ على الشركات العائلية وتناقل الملكيات وتقييم أصول الشركات وأسعارها المستحقة، كما يفترض أن تختصر عمليات الإدراج على الشركات التي ترفع رأسمالها بالسوق المالية لتوجيه متحصلات الاكتتاب لتمويل عمليات الشركة بتوسيع وتطوير نشاطها، لينعكس ذلك على الاقتصاد بإيجابيات واسعة وعديدة، أما ما يخص استمرار سيطرة تداولات الأفراد بالسوق المالية على حساب توسيع الاستثمار المؤسسي، فإن الأرقام والإحصاءات الصادرة من الهيئة شهرياً تؤكد ذلك، وهنا لا بد من الوقوف على سبب عدم قدرة المؤسسات المالية بالاستحواذ على حصة واسعة بإدارة وصناعة السوق من خلال منتجات ونشاط واسع إذ إن الدخول لتفاصيل الأسباب التي تحول دون ذلك تتطلب معرفة كل ما يعيق تلك المؤسسات والعامل الزمني للحصول على تراخيص عملها ومنتجاتها والمساحة التسويقية واشتراطاتها والشروط المنظمة لعملها بشكل عام، وكذلك تقييم المرحلة السابقة التي كانت البنوك هي من يُمارس العمل المؤسسي بإدارة تعاملات السوق للمستثمرين، مما يعني إعادة النظر بكل الإجراءات القائمة حالياً إذ إن المعروف بأن الترويج والقدرة على جذب المستثمرين تستند على جدوى المنتجات المطروحة لهم وكفاءة المؤسات المالية، وكل ما يعيق تطور الصناعة المالية، إذ يكفي أن ترى التقلبات الكبيرة بمستوى السيولة بالسوق المالي خلال العام الواحد، لتعرف أن سيطرة الأفراد كبيرة وتحمل مخاطر عالية بتأثيراتها على تعاملات السوق، فهذا العام وصلت التعاملات اليومية في أعلاها إلى 21 مليار ريال، وفي أدناها إلى 4 مليارات وهذا تذبذب عالٍ جداً وخطر على جاذبية السوق والثقة به.
ملاحظات اللجنة المالية بمجلس الشورى وانتقاداتها لهيئة السوق تحمل أهمية بالغة جداً إذ إن من شأن تفنيد الأسباب التي فرضت هذه الملاحظات حل العديد من المشاكل التي تُواجه السوق وتضبط تعاملاته وتعزز الثقة به وتجذب الاستثمارات له وتقلل من المخالفات، ومن المخاطر التي تترتب على الاستثمار بالسوق المالي السعودي، ومن المفترض أن نسمع من مقام مجلس الشورى إعادة النظر بأنظمة ولوائح السوق المالية ويُعاد صياغتها بما يحدد ضوابط أكثر وضوحاً وصرامة إذا ما كانت الأنظمة الحالية لا ترقى إلى القدرة على تنظيم وتطوير آليات عمل السوق المالي والنهوض بالصناعة المالية لجذب الاستثمارات والتي ستنعكس على الاقتصاد المحلي بإيجابيات واسعة على المستوى الكلي والجزئي.