منذ عام (2006م) والأسعار في ارتفاع مطرد خصوصاً في القطاع العقاري وقطاع المواد الغذائية.. الأمر الذي بات يهدد معيشة الأسر ذات الدخل المتوسط والمتدني، حيث ارتفعت الأسعار دون أن يواكب ذلك ارتفاعات مماثلة للرواتب والأجور مما يهدّد الاستقرار والأمن الاجتماعي بالمحصلة.
على المستوى المحلي تحركت الدولة لمواجهة التضخم وتداعياته السلبية فقامت بدعم السلع الغذائية والأعلاف اللازمة للإنتاج الحيواني.. وشجعت الزراعة المحلية بالقروض الزراعية.. أما على المستوى الخارجي فقد أطلقت الدولة مبادرة الاستثمار الزراعي الخارجي وأسندتها لوزارة التجارة لتوفير المنتجات الغذائية المكملة للإنتاج المحلي مثل الأرز، القمح، الشعير، الذرة، فول الصويا، الأعلاف، السكر، الثروة الحيوانية والسمكية.
لكن للأسف الشديد ورغم مرور أكثر من (3) سنوات على المبادرة لم نر إنجازاً زراعياً خارجياً يُشار له بالبنان سوى بعض الفبركات الإعلامية (كما اتضح).. فحسب علمي لم تُوَقِّع بلادنا حتى الآن أي اتفاقية إطارية مع أية دولة ذات مقومات زراعية لتحفيز المستثمرين السعوديين للاستثمار في القطاع الزراعي في تلك الدول.. كما أن الشركة التي أسسها صندوق الاستثمارات لم نسمع أنها استثمرت أو شاركت في استثمارات زراعية.
باختصار لم نتقدم خطوة واحدة.. والسبب من وجهة نظري أن عربة الاستثمار الزراعي الخارجي وُضعت على المسار الخطأ وهي وزارة التجارة بدلاً من وزارة الزراعة المعنية بشكل مباشر بهذه القضية.. ثم جاء مجلس الوزراء ليصحح الأوضاع بقراره الذي صدر الشهر الماضي بإسناد مهمة تنفيذ مشروع مبادرة الملك عبدالله للاستثمار الزراعي الخارجي إلى وزارة الزراعة ليضع قطاع الاستثمار الزراعي الخارجي على السكة الصحيحة لعله ينطلق بالاتجاه الصحيح والسرعة المناسبة.
التحدي الكبير الذي يواجه وزارة الزراعة هو (الوقت) فهو العنصر الحاسم في نجاح أو فشل المبادرة.. إذ لا يمكن أن ننتظر سنوات أخرى ومشكلة الغذاء تتفاقم في أنحاء العالم كافة لنجد أنفسنا نحارب على جبهتين: جبهة شح المواد الغذائية التي تمنع الدول المنتجة تصديرها.. وجبهة ارتفاع أسعارها نتيجة الاختلالات في معادلة العرض والطلب أو تلاعب الكيانات المالية الكبيرة بأسواق المواد الغذائية لتحقيق مكاسب هائلة وسريعة.
وهذا يعني أن عمل الوزارة يتمحور حول الإنجاز السريع المجدول على مراحل قصيرة واستثمار المعلومات المتاحة لدى الشركات الزراعية الإستراتيجية في بلادنا والتي لها باع طويل في الاستثمار الزراعي المحلي والخارجي.. وكذلك استثمار المعلومات المتاحة حول الدول ذات المقومات الزراعية.. وخريطة التنافس عليها من قبل الدول الكبرى.. ثم العمل من خلال خطة تواصل إستراتيجية مع كافة الأطراف ذات الصلة بالمبادرة لتحقيق التفاهم المشترك والتأثير الإيجابي المنشود لتعزيز محفزات النجاح وإزالة معيقاته.. وبهذا فإن المبادرة سوف تُقْصي الدخلاء وقناصي الفرص والمحتالين وتستقطب المستثمرين الجادين المحترفين وتُمَكِّنهم من الاستثمار الآمن.. وتؤصل للصورة المميزة للمستثمر الزراعي السعودي.
كل الثقة بوزير الزراعة وأركان وزارته بتسريع المبادرة وتحقيق غاياتها بأوقات قياسية.. فهم الأقدر على فهمها وتطويرها وتحفيزها وتشغيلها وتحقيق غاياتها بحلول ابتكاريهة إبداعية تحقق التكامل السريع بين المقومات الزراعية للدول المضيفة (ماء، أيدٍ عاملة، أراضي) وقدرات المستثمرين السعوديين (مالية، فنية، تسويقية).. وإذا عرفنا أن الاستثمار الزراعي من أكثر الاستثمارات مخاطرة لتعدد العناصر المهددة له.. وإذا أضفنا أنه استثمار خارجي يتأثر بواقع الدول السياسي والاجتماعي والثقافي والأمني.. لعرفنا مدى أهمية تحفيز وتطمين المستثمرين بقوة وكفاءة المبادرة لدعم وحماية الاستثمارات الزراعية الخارجية.