خلال العقدين الأخيرين استجدت أمور عديدة ليس في مجتمعنا فحسب، بل في سائر المجتمعات، ولعلي أحددها بعقدين من الزمن هنا مع بدء استخدام الهاتف المحمول، ثم الإنترنت وما تبع هذا الأخير من تطورات تقنية في مجال المعلومات هذه التقنية التي أصبحت نعيماً على البعض، ووبالاً على آخرين، بل وسبيلاً للإيذاء والإجرام والاعتداء من خلال ما يعرف بالجرائم الإلكترونية الكثيرة والمتعددة التي تتخذ صفات وأشكالاً متعددة، ومنها انتحال الشخصية، والاعتداء على المعلومات، والسرقة الإلكترونية، والقذف، والتشهير، وإفشاء الأسرار.
وكما يقول أهل القانون: لا عقوبة إلا بنظام؛ فلذا فإن إصدار تشريعات وأنظمة مستمرة من الشريعة الإسلامية ومعلنة للجميع كفيلة بحفظ حقوق الناس في أموالهم وأعراضهم ودينهم، ولابد من سن قوانين وأنظمة لمكافحة الجرائم الإلكترونية ومعاقبة مرتكبيها، وهذا لا يتأتى إلا من خلال المؤسسات المعنية بذلك، وهي الجهات القضائية والجامعات والكليات الشرعية المختصة بعلوم الشريعة والقضاء والجهات الأمنية والاستعانة بذوي الخبرة من المتخصصين في التقنية والمعلومات لتحديد أبعاد وحدود المشاكل والجرائم حتى يتحقق للناس الأمن في الأعراض والأموال والدين.
ولقد تمادى السفهاء في الاعتداء على حقوق الآخرين بنشر الأخبار المغلوطة والكاذبة والتضليل على الناس في معتقداتهم وأمور حياتهم، وعلى إثارة الفتنة بين الدول وشعوبها، وأساء آخرون استعمال التقنية في التطاول على أفراد، وشعوب، وقبائل، ودول، بإثارة النعرات بين الطوائف والقبائل والتجني على الآخرين، وتزوير الحقائق.
وهناك من أفسد على الناس دينهم ودنياهم بتبني مواقع ضارة بالمجتمع، وتعمد إلى إفساد أخلاق الشباب وترغيبهم في ارتكاب الجرائم، والتحريض تارة باسم الدين، وتارة باسم الإصلاح، وتارة باسم التغيير.
لقد تعرض أناس وبيوت للأذى نتيجة الأخبار الملفقة والإشاعات المغرضة، وهدمت بيوت، وتضررت مؤسسات وشركات نتيجة لتصرف غير محسوب من فرد أو أفراد.
ولذا فلابد من العناية والاهتمام بموضوع الجريمة الإلكترونية، ولربما يأتي أحد المتفيهقين بمقولة حرية التعبير، وحرية تداول المعلومات نقول: نعم إن حرية التعبير من الأمور التي كفلتها الشريعة الإسلامية للفرد والمجتمع، ولكن وفق ضوابط، وهي مؤسسة على مبادئ الشريعة، الإسلامية، ومؤطرة بضوابطها وقيودها في ضرورة الدقة، والتثبت في نقل المعلومات، وعدم وقوع الضرر بتداولها وسن القوانين المنظمة لهذه الجرائم سيعمل على توفير الأمن والاستقرار للأفراد والمجتمعات والدول.
لقد مرّ الفقه الإسلامي عبر أربعة عشر قرناً بأطوار متعددة انتقل فيها من طور التأصيل إلى طور الاجتهاد مروراً بالتقليد، وعوداً إلى الاستنباط، وفي كل مرحلة خرجت إلى النور مؤلفات تعنى بمستجدات كل عصر، وهذه المستجدات في مسائل التقنية من جرائم إليكترونية أو أحكام العقود والبيوع عبر الإنترنت هي تحتاج إلى اهتمام كبير من الجهات ذات العلاقة، وفي مقدمتها كليات الشريعة.
وأتمنى أن تولي أقسام القضاء والفقه مثل هذه البحوث العناية الكاملة، وقد علمت أن المعهد العالي للقضاء وجامعة نايف قد اعتمدا مجموعة من الرسائل العلمية في هذا الجانب، وأتمنى من وزارة العدل التي شرعت قبل فترة في مشروع مدونة الأحكام القضائية أن تخصص جزءاً من هذا المشروع للقضايا المتعلقة بالجرائم الإلكترونية، حتى لا تكون اجتهادات بعض القضاة في غير محلها قوة أو ضعفاً، ويتبقى دور الجهات ذات العلاقة في نشر الأحكام القضائية والعقوبات الصادرة بحق مؤسسات أو أفراد حتى يكون الأمر معلوماً لدى الجميع، وأن هناك عقاباً وجزاء لمن يتعدى على الآخرين. وصدق المولى عز وجل بقوله: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (18) سورة ق.
alomari1420@yahoo.com