لم تكن شجرة الورد الجوري المتاخمة لنافذتي تبخل بعبقها الفجري كلما هبت نسائم الصباح..
كان ذلك في الأيام الندية بوهج نبعك يتحدر على ثوانيها.., وأيامها.., وسنيها.., تلك الأيام بكِ...
أذكرُ كم كنتِ مولعة بتشذيبها بعد صلاة الصبح..
حين أسمع خشخشة بجوار نافذتي، أذهب للاطمئنان إلى أنكِ هنا.., تسقين.., وتشذبين.., وتنظفين حوض الجوري..!
قلتِ نوَّارة ذات إجابة: إن الورد من نعم الله علينا، وبأنكِ تهبيننا بزراعة شجره جوار نوافذنا هذه النعمة..
كم كانت هباتكِ يا نوارة نعم الله عليَّ.., وإخوتي..!
حتى «صفية» جارتي صديقتي، ابنة مدرستي، ورفيقة السور، وأسئلة المدرسة، وشغب المتنافسات معنا، وهدر معلماتنا حين يكثرن من تكليفنا بزينة الفصل بالجوري من شجراتكِ, وبإعداد مادة الإذاعة المدرسية، وكتابة موضوعات صحيفة الحائط، وينسين كم نبذل من أجل ألا تنقص درجات تحصيلنا ولو ربع درجة،..حتى هي كانت تنعّم بالورد الجوري الذي أقذفه إلى نافذتها صباحاً، فتعلم «صفية» أننا عند الوقت في انتظار اللقاء هناك في المدرسة..!
شجن الوردة الملقاة على رصيف المصحة التي كنت أزور فيها قريبة قبل أيام، وقد تناثرت أوراقها بين المارين ذكرني بحدبكِ على مثيلاتها تلك الأيام الوردية يا نوَّارة..
حتى الوردة في وقتنا فقدت عبقها الشهي، ولونها البهي، وشكلها الندي، مثل ما فقدت هذه الأيام جمال أيامكِ نوَّارة..
يا لخسارة الصغار في هذا الزمن، يعرفون الورد، لكنهم لا يعرفونه كما تلك الشجرات التي كنتِ تسقينها، فتمتلئ بجمال روحك جمالاً..
التقطتُ يا نوّارة ورقات الوردة بين الأقدام على رصيف المصحة وفاءً لورداتكِ..، وإكراماً للهبة التي كنتِ تمنحيننا بها بُعداً عميقاً لمتعِ الله في جود عطائه لإمتاع خلقه..
متَّعكِ الله في جنانه بأطيب من شذى وردكِ.., وخضرةِ شجراته يا نوارتي..
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855