سؤال: لماذا نتخلف أو نتراجع في كرة القدم؟
لماذا كنا متقدمين في مستوى عالٍ في سلالم تصنيف الفيفا، ثم تراجعنا إلى المستوى 113 بين منتخبات العالم؟ لماذا نتأهل إلى كأس العالم ثلاث مرات، ثم نتراجع عن التأهل للقارة الآسيوية في اختيار مندوبيها لكأس العالم في الترشحات الأخيرة؟
لماذا نتقدم على مستوى الأندية، ولكن نتأخر على مستوى المنتخبات؟ هذه أسئلة حائرة وقد تداولها الكثير، ولكن تظل بلا إجابات منطقية أو واقعية..
المنتخبات الوطنية هي صورة عالمية عن بلدانها ومجتمعاتها.. وهي صورة ذهنية ترتسم في أذهان العالم عن الدولة والمجتمع التي تنتسب إليه هذه المنتخبات.. ويشكِّل ظهور المنتخب الوطني حملةَ علاقات عامة على مستوى عالٍ، وليس فقط مجرد ظهور ومشاركة..
فالمنتخب الوطني وظهوره في المحافل القارية والعالمية هو علامة فارقة في صورة المجتمع والناس والحياة أمام أنظار العالم.. والبرازيل كعلامة خاصة في كرة القدم استطاعت أن تعرف العالم على مدى عدة عقود بالبرازيل كدولة واقتصاد ومجتمع، وأضافت لوناً خاصاً على الدولة والمجتمع ونكهة خاصة بمذاق نوعي لمفهوم البرازيل ككرة قدم..
وميسي كلاعب تمكن من إضافة مذاق خاص لكرة القدم في برشلونة أو للأرجنتين واستطاع أن يخطف الأضواء ويبهر الأنظار بمعجزة استثنائية في الأداء والسلوكيات والنتائج، مما رسم صورة خاصة لفريقه (برشلونة) أو لدولته (الأرجنتين). ولهذا فإننا ننظر إلى كرة القدم كسياسة خارجية للدول، وهي مكملة لصناعة القرار السياسي الخارجي للدولة، وهي مكون مهم من مكونات هذه السياسات الخارجية، ولهذا فإن كرة القدم هي نوع من أنواع الدبلوماسيات الشعبية أو الدبلوماسيات العامة التي بدأت تدب في أروقة وزارات الخارجية لكثير من الدول، ومن بينها وزارات الخارجيات في الدول المتقدمة..
وإذا اقتنعنا أن كرة القدم ليست مجرد لعب على المسطح الأخضر، وليست مجرد لاعبين هواة أم محترفين، وليست مجرد مدرب أجنبي، وليست مجرد إدارة فنية، فإننا حينها ندرك أن كرة القدم هي صورة المجتمع في الداخل والخارج.. ولست أبداً مع من يهمِّش كرة القدم، وينتقص بمن يعمل فيها ويعمل لأجلها، فهذه رؤية ناقصة وغير مدروسة ولا تنتظم مع الرؤية العالمية لكرة القدم.. فكرة القدم العالمية هي عمل استراتيجي تقوم وتسعى لتحقيقه الدول من أجل ظهور الدولة والمجتمع أمام الرأي العام العالمي بالشكل المطلوب والمأمول والمتوقع..
ونعود إلى سؤالنا الأساسي: لماذا نتخلف أو نتراجع في كرة القدم، فأري أنه سؤال يجب أن نتوقف عنده ونتمعن في أبعاده المختلفة.. ويجب أن ننظر إلى الأمام دائماً وليس إلى نقطة القدم التالية.. ولا يجب أن ننظر إلى كرة القدم كترفيه - رغم أهمية الترفيه المجتمعي وضرورته للشباب والمجتمع - بل نتعدى ذلك إلى الحضور السياسي أمام العالم، باعتبار السياسة هي أشكال وأنواع وألوان متعددة.. يجب أن يخرج من مناقشة هذا الموضوع كل المنحازين وكل أصحاب الأنظار القصيرة وكل من يحاول أن يظهر ببطولة على حساب كرة القدم من أعضاء الشورى والمسئولين هنا وهناك والإعلاميين المنتفعين بتشريخ أسطوانة التقدم والتطوير لكرة القدم..
وهنا على سبيل المثال فقط.. فقامة رياضية مثل “ريكارد” بحضوره وتاريخه ونجاحاته العالمية يجب أن يقود المنتخبات الوطنية في كرة القدم إلى مسالك النجاح والتطوير والعمل، وهو يعمل بصمت في هذا الاتجاه، وأحسب أن بقاءه مع المنتخب الوطني هو نجاح، وهو مشهد يصب في صورة النجاح المستقبلية لكرة القدم السعودية.. ولهذا فيجب أن نتعلم من دروس الماضي التي لم تنجح إلا في إقالة واستقالة أو تعاقد أو إلغاء تعاقد مع مجموعة من المدربين العالميين.. إذا نظرنا إلى “ريكارد” كاسم رياضي فيجب أن ننظر إليه - إضافة إلى مقدراته الفنية والإدارية - كإعلان وعلامة تجارية عن المنتخب السعودي بما يستجلبه من ظهور واستشهادات ومتابعات إعلامية عالمية.. وهذا يحقق هدفنا في نشر صورة المملكة عالمياً وفي وسائل الإعلام الدولية وأمام الرأي العام العالمي..
إذا أردنا أن نبني للمستقبل فيجب أن نحافظ على العناصر التي تعمل في تراكميات مدروسة وعبر قنوات عمل علمية.. كرة القدم ليست مجرد مدرب، وليست لاعبين، وليست إدارة، بل هي منظومة متكاملة من المخرجات والمدخلات النوعية التي تصب في رسم طريق وتصميم خارطة.. ولهذا فيجب أن ندعم كل الجهود الوطنية التي تعمل في هذا الاتجاه، ويجب أن تحرص وزارة المالية على وجه الخصوص في عدم التردد في دعم النشاط الرياضي ومنشآته الحيوية، لأنها تستهدف شباب المملكة، وهم عدة المستقبل، وهم الجيل القادم في ريادة البلاد إلى التنمية. والرياضة في عمومها هي عمل مساند للشباب وداعم لهم بما ينمي الفكر ويطور الإيجابية في العقل والسلوك الوطني للشباب.. وكما انطلقت قطاعات في بلادنا من مبادرات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - مثل التعليم العام بمبادرة تطوير التعليم، والتعليم العالي بمبادرات برنامج المبتعثين وتطوير البينة التحتية للجامعات، ومن مبادرات دعم القضاء في المملكة، فنحن نحتاج إلى مبادرة أخرى لقائد هذه البلاد بدعم الأجهزة التنفيذية المعنية بالشباب والرياضة، وفق خطة خمسية أو عشرية ترتقي بالشباب وتجعل منهم واجهة حضارية لبلادنا الغالية..
alkarni@ksu.edu.saرئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال، المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية بجامعة الملك سعود