|
عملت مع معالي الدكتور ناصر بن محمد السلوم وزير المواصلات سابقاً، على مدى ما يقرب من أربعين عاماً (1385-1423هـ) زميلاً ومرؤساً، وكانت ساعة كرمني عندما تقاعدت بتاريخ 1-7-1423) وبحضور كريم من معالي الأستاذ الدكتور أسامة شبكشي وزير الصحة آنذاك، ساعة تحول في حياتي، اغرورقت فيها عيناي بالدموع، لفراق زملاء أصدقاء أكن لهم كل المحبة والتقدير، وعلى رأسهم معالي الدكتور ناصر بن محمد السلوم.
أما الحديث عن الصفات والمزايا التي وهبها الله للدكتور ناصر السلوم بمناسبة تكريم أهالي مدينة عنيزة له كرجل دولة كرَّس حياته لخدمة وطنه، فيصعب على من مثلي الحديث عن قامة مثل الدكتور ناصر، ولكن مما أعرفه، أنه بدأ عمله في الوزارة في وقت كان عدد المهندسين السعوديين فيها لا يتجاوز أصابع اليد، وكانت مشاريع الطرق في بدايتها الأولية.. أما عدد المقاولين فكان قليلاً جداً.
وعندما نهجت الدولة سياسة خطط التنمية الخمسية، تولى معاليه إعداد الخطة الخمسية الأولى لوزارة المواصلات فأعد خطة طموحة اشتملت على البدايات الأولى لإنشاء طرق مزدوجة وسريعة، وطرق دائرية حول المدن الرئيسية في المملكة.. وعندما بدأت الطفرة الأولى التي عاشتها المملكة بنهاية الخطة الأولى والخطة الثانية اشتملت ميزانيات الوزارة على مشاريع طموحة أخذت الوزارة على عاتقها تنفيذ هذه المشاريع بما يتماشى وما خصص لها من مبالغ ضخمة في الميزانية، ولجأت في هذا الشأن إلى استقطاب مقاولين واستشاريين أجانب من معظم دول أوروبا وأمريكا وبعض الدول الآسيوية المتقدمة، فكان للدكتور ناصر الرأي الصائب في اختيار أصحاب الخبرة في هذا الشأن، وتم استقطاب ما يفوق على (50) شركة أجنبية كمقاولين واستشاريين، ولتوطن خبرة هذه الشركات الأجنبية نهجت الوزارة على دعم وتشجيع عدد من السعوديين للعمل مع تلك الشركات كمقاولين من الباطن وتدرجوا في النمو بعزيمة وهمة حتى أصبحوا مقاولين وطنيين يعتمد عليهم، وبازدياد عددهم تلاشى عدد المقاولين والاستشاريين الأجانب حتى أصبحت مشاريع الطرق تصمم وتنفذ بمقاولين سعوديين ويرجع الفضل في ذلك لدعم وتشجيع المسؤولين في الوزارة وعلى رأسهم معالي الدكتور ناصر السلوم.
ومن خلال متابعة الدكتور ناصر وحرصه على تنفيذ المشاريع، كان يعقد لقاءات وندوات متكررة فيما بين المسؤولين في الوزارة والمقاولين والاستشاريين، لتدارس أوضاع المشاريع وتقديم الدعم اللازم للمقاولين، وكثيراً ما عقد لقاءات مع مسؤولي البنوك الذين يمولون المقاولين بقصد زيادة الدعم للمقاولين وخصوصاً المتعثرين منهم بسبب السيولة النقدية.
وكان للدكتور ناصر مواقف جادة، وبعد نظر، في موضوع تحديد مسارات الطرق السريعة والطرق الدائرية حول بعض المدن حيث كان يتجنب في خططه الوضع الحالي للمدينة، أو للمدن التي تمر بها الطرق.. ويبني دراساته على ماذا سيكون عليه الوضع بعد (30-50) عاماً، وقد واجه صعوبة في هذا الطموح بمعارضة البعض من المواطنين الذين كانت نظرتهم ألا تبعد الطرق الدائرية عن مباني المدينة، والطرق السريعة عن وسط المدن التي تمر من خلالها.. وبحكمته المعهودة تم التنفيذ وفق رؤيته، وبعد تنفيذ المشاريع بفترة وجيزة، ومن خلال النمو السريع لمدن المملكة، أدرك المعارضون أنهم على خطأ في نظرتهم الآنية.
وفي مجال تطوير جهاز الوزارة الفني والإداري كان الدكتور ناصر حريصاً على حصول الموظفين على الخبرة في التقنية الحديثة من أي منبع كان، وقد تبنى ابتعاث عدد من مهندسي الوزارة لدراسة إدارة مشاريع الطرق وبرامج صيانتها، وعمل على أن تكون الوزارة عضواً فعالاً في اتحاد الطرق الدولي، كما تبنى الدكتور مبدأ الاستعانة بخبرات عدد من أساتذة الجامعات في المملكة للعمل لدى الوزارة كمستشاريين غير متفرغين.
والحديث عن المواهب الخلاقة للدكتور ناصر وبعد نظره في عمله وإخلاصه لخدمة وطنه وفقاً لتوجهات ولاة الأمر، لا يمكن حصره في مقال قصير.
أمد الله في عمر الدكتور ناصر بن محمد السلوم ومتعه بالصحة والعافية، وأدام الله لوطننا الغالي، عزه وأمنه واستقراره في ظل حكومتنا الرشيدة التي يعود لها الفضل بعد الله فيما ننعم به من أمن واستقرار.
وبالله التوفيق.