كثيراً ما دار الحديث عن توطين الوظائف وكذلك عن توطين الاستثمارات باقتصاد المملكة إلا أن الغائب عن الساحة من طروحات وبنسبة كبيرة هو توطين الإنفاق إذ إن إنفاق السعوديين بالخارج أصبح بعشرات إن لم يكن بمئات المليارات من الريالات
ولا يمكن لأي اقتصاد أن ينمو بقوة وثبات كبير إلا من خلال زيادة دور إنفاق المستهلك الكبير فيه فالتصدير ليس بالحل السحري لرفع كفاءة الاقتصاد إذ لابد أن تتوزع أدوار التأثير بالنمو والتنمية الاقتصادية بين التصدير والإنفاق المحلي وكلما زاد إنفاق المستهلك تعززت الاستثمارات المحلية وارتفعت كفاءة وحجم الإنتاج المحلي من السلع والخدمات وفتحت فرص عمل كثيرة ورفعت الدخل، فالاقتصاد الأمريكي يعتمد بسبعين بالمئة منه على الاستهلاك المحلي وهذا يعطيه ميزة وقوة أكثر بالتحكم بدوراته واتجاهاته أكثر مما لو كان اقتصاد تصدير تتحكم به العوامل الخارجية
وتتركز عمليات الإنفاق على السياحة الخارجية بشكل أساسي وبعض الأرقام تحدثت عن مائتي مليار ريال سنويا وفي إجازة عيد الأضحى المبارك الأخيرة صدرت تقارير تحدثت عن إنفاق قارب ثلاثة مليارات ريال بالسياحة الخارجية وهذه الأرقام في دول قريبة وجارة للمملكة فقط
ويأتي التعليم والعلاج بالمراتب التالية للسياحة من حيث حجم إنفاق السعوديين بالخارج ثم الزيارات التجارية وأيا كان السبب فان تفنيدها وتصنيفها حسب سببها يحيلنا للتوجه نحو العمل على توطين نسبة كبيرة من هذا الإنفاق الضخم بالخارج والذي سيتضح إن نسبة كبيرة منه غير ضرورية ويمكن القيام بمشاريع وضخ استثمارات كبيرة محلياً تعمل على توطين الإنفاق
فإذا اتجهنا نحو توجيه ما ينفق في الخارج بنسبة عظمى منه للداخل فإننا سنحقق بقية الأهداف تلقائياً والمقصود توطين الوظائف والاستثمارات فإذا تم توفير البيئة الصحية لضخ الاستثمارات السياحية أو التعليمية أو الطبية فإنها ستفتح آلاف الفرص الوظيفية وستتمتع هذه الاستثمارات بنسب نجاح وجدوى طالما أن الإنفاق الكبير الذي يتم حالياً بالخارج سيتحول للداخل وسيوفر إيرادات ضخمة لتلك المشاريع
إذ لابد من دعم الخطة الإستراتيجية للسياحة لتحقق أهدافها بالمدة الزمنية المتوقعة من كافة الجهات الحكومية وتوفير البني التحتية من طرق ووسائل نقل وبقية الخدمات مع دعم المشاريع السياحية بتمويلات ميسرة والاهتمام بمخرجات التعليم عبر كليات متخصصة تدعم تلك المشاريع بتوفير الكوادر الوطنية المؤهلة لتشغيلها فإن من شأن ذلك توطين جزء كبير من الإنفاق، كما أن فتح الاستثمار التعليمي والطبي بإنشاء كيانات متخصصة ذات شراكات عالمية تملك كفاءة عالية فإن الكثير ممن يذهبون للدراسة بالخارج أو العلاج سيتجهون للداخل تلقائيا بنسبة كبيرة إذ إن الدراسة بدول مجاورة باستثناء بعض الدول المتقدمة ولبعض التخصصات النادرة سينقل وجهة الطلبة للداخل كما هو الحال بالنسبة للكثير من حالات العلاج التي تتم بالخارج فيكفي أن نذكر بأن عدد حالات العلاج لمرضى التوحد من الأطفال يقدر بأكثر من أربعة آلاف حالة تتم بالأردن حسب بعض التقارير لنطرح التساؤل لماذا لايوجد مراكز وطنية تقوم بهذه المهمة داخلياً والحال ينطبق على العديد من الحالات لأمراض أخرى.
التركيز على الدراسات البحثية لفهم سبب توجه المواطنين للإنفاق بالخارج لمختلف الأسباب سيفتح الباب على نقلة نوعية تطور من الإجراءات لجذب الاستثمارات وتوطينها وفتح الفرص الوظيفية وتعزيز ثقافة العمل وزيادة الناتج الوطني بنسبة كبيرة جداً وتنويع مصادر الدخل خصوصاً أننا ننفق من متحصلات مواردنا النفطية السلعة الناضبة والتي يفترض أن توجه متحصلاتها بكفاءة عالية للاستثمار المحلي وزيادة الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد وهذا يأتي من خلال العمل على توطين الإنفاق والعمل على رفع نسبته خلال العقد الحالي على أبعد تقدير.