حينما نقرأ أن أرباح البنوك السعودي خلال الربع الثالث من العام الجاري تجاوزت ثمانية مليارات ريال، إلى حد أن أحد هذه البنوك شارفت أرباحه خلال ثلاثة أشهر المليارين ريال، فهو أمر يسعدنا في جانب واحد، نردده كمواطنين بزهو، وهو أن اقتصادنا قوي ومتين، ولم يتأثر بما يحدث في العالم من أزمات مالية، أجبرت بعض الدول على طرح خطط تقشف حكومية، وساهمت في اختلال الأمن فيها.
هذا صحيح، لكن حينما ننظر إلى هذه البنوك التي بنت كل هذا المجد المالي من ظهور هؤلاء المواطنين، رغم ما تقوله عن ازدياد مخصصات الديون المشكوك في تحصيلها، فإن الأمر محبط بأن لا تقوم هذه البنوك، بالتبرع في دعم قطاعات خيرية، وصحية، وتعليمية، وثقافية، وكأنما إذا خصصت قطرة تبرع صغيرة من بحر ملياراتها، سترتبك ميزانياتها، وسيخسر المساهمون!.
في كثير من دول العالم، تحقق البنوك أرباحاً أقل بكثير مما تحققه بنوكنا، لأنها لا تحتفظ بأرقام فلكية من الحسابات الجارية، كما لدينا، بل معظم الحسابات هي حسابات ادخار، حتى لدى الطلاب، الذين لا يملكون شيئاً يستحق الادخار، بينما هذا الأمر، ولأسباب دينية، يجعل معظم المواطنين يحتفظون بأرصدة مجمدة، دون الحصول على فوائد مقابلها، مما يضاعف أرباح البنوك لقاء القروض البنكية، التي لا تتورع البنوك، وهذا من حقها، بالحصول على فوائد بنكية، حتى وإن تحايلت بموضوعات المتاجرة وما شابه.
يبقى السؤال، متى نجد دعماً كبيراً، من البنوك السعودية، لمختلف الأوجه الاجتماعية والثقافية، كما تحظى هي بدعم منقطع النظير من المواطنين؟ صحيح أن الدولة تقوم بتأمين الدعم الحكومي لكثير من الخدمات والأنشطة، ولكن لماذا لا تساهم هذه البنوك في خدمة المجتمع، بما يوازي أرباحها الضخمة؟.
أحد المواطنين، من رجال الأعمال، قدم أكثر من ثلاثة وعشرين مليوناً لإقامة مقر نادي أدبي، بينما أحد البنوك، وبعد أن استفاد لأكثر من ربع قرن، من مدخرات أحد الأندية الأدبية، قام بدعمها بجائزة متواضعة القيمة، أليس في ذلك مفارقة؟.
صحيح أننا لا نملك إلا أن نلوّح لمبادرة رجل الأعمال الدكتور ناصر الرشيد، أحد أبناء منطقة حائل، على دعمه لإنشاء مقر جديد للنادي هناك، وهو دور منتظر من جميع رجال الأعمال، لكننا في المقابل، نتساءل عما يمكن أن تقدمه هذه البنوك الوطنية، للوطن، من ملياراتها؟ وعلى سبيل المثال، إذا كانت أرباح أحد البنوك مليارين خلال ربع عام، بمعنى أنه قد يربح ثمانية مليارات لوحده، فهل يربك خططه أن يتبرع بما يعادل واحد بالمائة فقط من هذه الأرباح؟ أي نحو ثمانين مليون ريال؟ بل حتى لو تبرع بنصفها أو ربعها، لاستطاع أن يقدم خدمات جليلة لمجتمعه ووطنه، ولا أشك في إخلاصهم ومحبتهم لوطنهم!.
أخيراً أجدني أهمس لهؤلاء، على تراب هذا الوطن ما يستحق التبرع، مستعيراً عبارة درويش: على هذه الأرض ما يستحق الحياة.