حين تطلب سيدة من إحدى زميلاتها منديلاً أو غرضاً طارئاً، ويحدث أن يكون المطلوب داخل الحقيبة اليدوية البعيدة عن متناول صاحبتها، فقد كان المتعارف عليه إحضار الحقيبة لتقوم السيدة ذاتها بفتحها ومناولة صديقتها الغرض المطلوب، وكان هذا التصرف يُحدد مستوى الرقي الحضاري والأدبي (بين السيدات) الكامن بعدم فتح الحقيبة اليدوية أو النظر فيما بداخلها!! وقد كسرت الفتيات الحضاريات - الله يحفظهن - هذه الخصوصية بالطلب، ومن ثم فتح الحقيبة تلقائياً ولو كانت بجانب صاحبتها، وتناول المطلوب متبوعاً بالشكر.
والتصرف الأخير أحدث نوعاً من الأُلفة بين الصديقات اعتماداً على مفهوم لا خصوصية بين السيدات والفتيات! فلم تبق هناك خصوصية لا سيما وأن أدقها يُعرض على الشاشات على شكل دعايات وإعلانات! وانتهى عصر العيب ومقولة: (الله يفشلهم أحرجونا عند العيال)!
ما كان يدخل في محور الخصوصية قبل ثلاثين سنة، تقلَّص قبل عشر سنوات، وما كان يُعد عيباً قبل سنوات اضمحل وصار عادياً، وهكذا تتبدد المفاهيم الاجتماعية البائدة ليبقى ما ينفع الناس، وما يُقرب بينهم وما يجعلهم نسيجاً واحداً.
ذكَّرني بذلك، تلك الصيحات المتعالية استناداً على أسطوانة (الخصوصية) وعدم الرضا بالقرار السيادي القاضي بمنح المرأة حقها المدني من خلال بطاقة تحمل صورتها الشخصية التي تثبت حقها بالمواطنة وتسهيل إجراءاتها دون الاعتماد الكلي على الرجل، سواء بصرف مالها من البنك أو الحصول على الخدمات المدنية.
وأستطيع تفهم رفض الرجل فكرة تضمين صورة المرأة في البطاقة، وهو إرث ثقافي ليس له علاقة بالشرع ولا الرجولة، ولا يلام عليه حيث تشرَّبه منذ الصغر، بناءً على مفهوم الملكية التامة للمرأة (جسدها وشكلها وجمالها ومالها وما يمت لها بصلة)، بينما هي لا تستطيع تملُّك حقها في المواطنة عبر الحصول على البطاقة إلا بإذن رجل.
أتفهم ذلك تماماً، ولكن ما لا أستطيع فهمه، هو رفض المرأة وترددها في الحصول على البطاقة المدنية، بحجة أنها لم ولن تحتاج لها، وتراها تردد: (الله لا يجيب الحاجة!) أو ترديد أسطوانة (هناك أشياء أهم!) ولست أعلم ما هو الأهم من بطاقة مدنية تثبت حقها بالمواطنة، وتُجنِّبها الحاجة الدائمة للرجل؟!
هذا بالضبط ما يريده الرجل المُتسلط فقط! دوام الحاجة له وشعوره الدائم بالملكية ورفض رؤية الناس لشكل حقيبته، ناهيك عن لونها! أما الرجل الحضاري فقد سارع بِحثِّ أخته وابنته وزوجته على استخراج البطاقة لتعتمد على نفسها وتُشاركه المُواطَنة الجميلة.
مبروك الإلزام بالبطاقة المدنية، فهي حق مزدوج للوطن وللمرأة.
شكراً يا وطني!!
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny