يقول المفكر السعودي عبدالله القصيمي:
“إن في الإنسان شوقاً لأن يكون خرافياً!! وإن الحقيقة وحدها كئيبة غبية دميمة” انتهى.
في هذه الجملة مجموعة من المتناقضات، و(لخبطة) في المصطلحات. ماذا تعني (الخرافة) لدى القصيمي؟ ما الحقيقة من وجهة نظره؟ هل هي الواقع؟ هل هو الحق؟ هل هي مطابقة الشيء لذاته؟.. لا نعلم بالضبط.
هنا جملة أقل ما نقول عنها أنها جملة (احتجاجية) لا غير. القصيمي يحتج وسط حالة نفسية غير قادر على السيطرة عليها, تسيره عاطفة غاضبة، ثائرة، مرتبكة.
الجملة هنا عبارة عن: مفردات متعاقبة، ربما اعتبرها البعض مترادفات، وهي غير ذلك: كل مفردة تعني عالماً مستقلاً.
جملة القصيمي هنا هي جملة (درامية)، قالها أرسطو بصورة مختلفة أكثر حكمة، وأقرب للمنطق ومصادقة على الواقع، تعكس الفارق بين العقليتين.
أرسطو يقول في تعريفه لنظرية الدراما: هي سعي الإنسان لأن يصنع عالماً مستقلاً بذاته، يوازي العالم الذي يعيشه, وإلا بماذا نفسر شوق البشر لعوالم الدراما؟!
ويضيف: لو أن أحدهما سيقلد الآخر لقلدت الحياة اليومية الحياة الدرامية.
الحياة الدرامية أجمل لأن الإنسان يصنعها وفق طموحاته, ولكن الحياة اليومية مبعثرة لا يسيطر عليها الإنسان بصورة مطلقة، فالله يحكمها وفق سنته التي لن تجد لها تبديلاً.
الحياة الدرامية يمكن للإنسان أن يختصر ويقص ويضع النهاية التي يريد حسب قانون (الضرورة والاحتمال)، في حين الحياة العادية يرى الإنسان نفسه فيها مسيراً لا مخير حسب معتقد البعض.
أرسطو قال معنى (جملة القصيمي) بصورة حضارية أعمق, قالها عبر منطقة الفن، أما القصيمي فقالها من خلال حالة نفسية متذمرة.
أرسطو قال: الإنسان يسعى عبر الدراما لأن يصنع عالماً أجمل، والقصيمي يقول إن الإنسان يسعى لأن يكون (خرافياً).
أرسطو يقول: إن الحياة العادية مليئة بالمتناقضات، والقصيمي يقول: إنها كئيبة غبية دميمة, هنا نلحظ الفرق بين من تكون نظريته مستمرة ومن تكون نظريته مجرد احتجاج لرد فعل لحظي.
وهذا لا ينتقص من مكانة القصيمي بوصفه مفكراً جدلياً يستحق الدراسة والبحث.
nlp1975@gmail.com