محزن حقاً ما يحدث في عالمنا الإسلامي فقتال هنا وهناك، ومجاعة ولاجئون ومشاكل من كل نوع، لا يمكننا أن نلوم غير أنفسنا، ولا أن نستصرخ غير ذاتنا، لكننا نلوم الغير، ونستصرخه، وكأننا نقول ما يقول المتنبي:
يا أعدل الناس إلا في معاملتي
فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
دماء تسيل، وبيوت تهدم، وأطفال ونساء يتضورون جوعاً، ونقص غذاء، وعطش وبلاء، فماذا حدا بهم أن يفعلوا بأنفسهم ما فعلوا، وكأنهم على أنفسهم غاضبين، ولحياتهم محتقرين.
عندما يغضب البعض منهم يسل سيف لسانه، ويطلق للحرب عنانه، لا يهمه إلا نفسه ومن حوله، ويرى أن قدره ينقص إن حلم، وأن راحته تمس إن سئم، فيفعل ما يشاء كما يشاء، ويفعل ما يريد كما يريد.
ومما يزيد الحزن حزناً أن هذا يحدث في عصر أضحى التعليم فيه متاحاً، وشواهد النجاح لأمم أخرى ظاهرة بينه، وأدوات التواصل متيسرة، وأسباب الفلاح متوفرة، لكن لا يغير الله بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
كثيراً ما يتحدث الناس عن المنطق، ويعزون كل أمر يتخذ في بلد إسلامي إلى سبب منطقي، أو أمر خفي، لا أحد سواهم به حفي، لا يعرفه إلا هم، ولا تدركه إلا أفكارهم، ولا تراه إلا أبصارهم، ويسهب الناس في ذلك ويتعمقون ويتناقشون ويتخاصمون، ويعللون ويستنبطون، والمنطق بعيد عن ذلك القرار الذي حوله يدندنون، فلا منطق وراء قرار، ولا أمر جليل دعا إلى ذلك الخيار. ولهذا فإنه ليس لكل قرار منطق عند البعض، وليس بالضرورة أن يفسر بذلك، فهناك من الأمور التي تحدث في عالمنا الإسلامي دون منطق يستحق الذكر، أو أساس بني عليه الفكر، ولهذا فمن المنطق عدم عزاء بعض الأمور إلى المنطق.
لا بمنطق يمكن أن نعزو به ما حدث ويحدث في الصومال أو غيرها من بعض الدول الإسلامية، ولا منطق لدى فئة ضالة تدعي الإسلام، تقتل بريئا هنا وهناك، وتسيء إلى أجلِّ دين، وأعظم رسالة.
حكي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لعمرو بن معدي كرب: صف لنا الحرب، فأنشد يقول:
الحرب أول ما تكون فتية
تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها
أضحت عجوزاً غير ذات خليل
شمطاء قد كشرت على أنيابها
مكروهة للضم والتقبيل
وقال آخر:
فلا تحقرن عدواً رماك
وإن كان في ساعديه قصر
فإن السيوف تحز الرقاب
وتعجز عما تنال الإبر
القرآن أجل كتاب، وأوسع للخير باب، فيه رحمة للعالمين وحث على الصراط المستقيم، فيه خير الدنيا والدين لكن نقرأه وقد ندرك معانيه، لكننا عند الأهواء نتناسى ما أمرنا به إلا ما شاء الله، لاسيما فيما يخص بعض التعاملات الإنسانية.
نظن بالناس خيراً في العبادات، لكننا لا نرى في البعض منهم ما يتناسب مع ديننا الحنيف في المعاملات، لاسيما المالية والإدارية منها، حتى وإن غلبت المسحة الإنسانية، فالكثير لا ينظر إلى تلك المسحة فحسب، وإنما ينظر إلى العدالة وحصوله على حقه دون منة من أحد.
عالمنا الإسلامي يحتاج إلى تغلب أبنائه على أهواء النفوس، والتحرر من الشرور والعبوس وتطبيق الإسلام الذي نفهمه، فلا أحد تخفى عليه خافية، أو تغيب عنه قاصية أو دانية، فمن منا يستطيع التغلب على هواه، أو إيثار الحق كما يراه، متجرداً من مصلحة الذات، والتطلع إلى النجاح الجماعي بدلاً من النجاح الذاتي الذي قد لا يدوم وربما تكون عاقبته وخيمة على المجتمع بأسره.
اللهم أصلح أحوالنا، وانصرنا على أهوائنا، وارزقنا اتباع الحق إنك على كل شيء قدير.