جاء في كتاب التمثيل والمحاضرة للثعالبي ص397 ما نصه: «الشقي من لا يثق بأحد لسوء ظنه».
وهذا كلام حسن؛ إذ إن من علامات الشقاء شقاءَ الإنسان من داخله؛ وذلك بأن يكون ذا نفس قلقة مريضة تفترض الشر, والفساد في الناس, وترى أنه هو الأصل. فالذي يبتلى بهذا الداء لا ينظر إلى الناس إلا من خلال ذلك المنظار الأسود؛ فأنى له أن يَسْعَدَ في نفسه فضلاً عن أن يسعد غيره، بل سينال خلطاؤه نصيباً من شقائه وعنته.
فسوء الظن مرض اجتماعي يتغلغل في الناس ويُؤذِن بالقطيعة, وإفساد العلاقات, ويقطع السبيل على الإصلاح وتأليف القلوب, والتعاون على مرافق الحياة. ثم إن المبتلى بهذا الداء لن يبقي للمودة عيناً ولا أثراً؛ فكلُّ مَنْ مَدَّ له يداً إلى الصلح, أو العفو، أو زيادة التقارب - شك في المقاصد, ودخل في النيات, ووضع العراقيل أمام تلك المساعي الحميدة.
وإذا زاره أحد من الناس صار يتحفز, وينتظر ما تسفر عنه تلك الزيارة؛ زعماً من أن ذلك الزائر إنما جاء لمصلحة ماليه, أو لطلب جاه, أو نحو ذلك.
وإذا سمع كلمة عامة في ذمٍّ ظاهرة ما نَزَّلها على نفسه, وظن أنها لم تقل إلا فيه, ولم يُقْصَدْ بها أحدٌ سواه.
وهكذا يقطع الطريق على كل محاولة للخير, والإصلاح؛ بسب نفسه القلقة التي تنظر إلى الدنيا من خلال منظارها المُغَبَّش الأسود.
ويزداد الأمر سوءًا إذا أصيب بداء قلة الثقة مدير أو رئيس, فلا شك أنه سيحمِّل نَفْسَه ومَنْ تحت يدِه أعباءً ثقيلةً, وسيفوته مصالحُ كثيرة؛ لأن الريبة داء يتفشى, ويعدي، ويسري إلى مَنْ يتعامل مع مَنْ أصيب به, فتكون حياة أولئك محشوُّةً بالشكوك والأوهام, وتقف تلك الريبة عقبةً كؤوداً أمام كل رقي، وفلاح, وإبداع.
وإن من علامات السعادة أن يكون الإنسان ذا نفس مشرقةٍ تُحِبُّ الناس, وتحسن الظن بهم.. فإذا كان كذلك جَلَب لنفسه ولغيره السعادة, وأمكنه الإفادةُ منهم, والتعاون معهم.. وهذا هو الأصل الذي ينبغي أن يسير عليه المسلم في حياته.
فما أجمل أن يحسن الإنسان الظن, ويأخذ الناس على ظواهرهم, وإن بدا له ريبةٌ من أحد فليحترس بالفطنة, والأخذ بالأسباب المشروعة.
* جامعة القصيم