مع إطلالة عام هجري جديد مبارك يحمل بين طياته وجنباته أبجديات التفاؤل والإشراق في وجه الأمتين العربية والإسلامية بعد أن ودعوا عامهم المنصرم بما يحمله من أحداث مؤلمة و مآس مفجعة وآلام محزنة وقتل وتشريد وحروب طاحنة وتهجير وارتحال ها هم اليوم يستقبلون عامهم الجديد الذي لا يعلم المرء ما فيه من خير وشر إلا الله فهل استفدنا من هذه الدروس والعبر والمواعظ من عامنا الماضي لا بد لنا من وقفه تأمّل دقيقة وجادة قبل فوات الأوان - قبل أن يرحل عنك عامك شاهداً لك أو عليك- فهل المرء وقف لحظة تأمّل وتفكّر مع نفسه محاسباً ومراجعاً مع بداية هذا العام الجديد كما هو الحال لكل عمل يراد له النجاح لعلنا بقدر الإمكان نصلح ما أفسدته أنفسنا؟
مع العام الجديد يدفع بالمرء إلى أخذ الدروس والعبرة والموعظة والعفّة مما مرّ بالأمتين العربية والإسلامية من أحداث جسام أفزعت القلوب وأسبلت الدموع على أيدي أعداء الإسلام والمسلمين من الظلم والقهر والقسوة والتسلّط والدمار والخراب والقتل والتشريد، فالمرء يتألم كما يتألم إخوانه لألمهم لأنهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له بالسهر والحمى.
وواجب المرء أن ينظر في أعماله وأقواله وتصرفاته ويحاسب نفسه على ما سلف، فتسرّه حسناته وتسؤوه سيئاته، كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} الحشر18.
قال نبي الرحمة محمد صلوات الله وسلامه عليه (الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله). وقال الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وتزينوا للعرض الأكبر وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا).
فيجب على المرء أن يقف مع نفسه ملياً محاسباً لها على ما أسلفت في عامها المنصرم، فإن كان خيراً ازدادت وإن كان غير ذلك فعليه بالتوبة النصوح والرجوع إلى خالقه والإقلاع عن كافة الذنوب والمعاصي، كما قال نبي الرحمة محمد صلوات الله وسلامه عليه (اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك).
فيجب على المرء أن يدرك هذه الخمس سالفة الذكر جيداً ويأخذ بنصيحة نبي الأمة محمد صلوات الله وسلامه عليه وأن يعتبر فيما بقي من عمره.
قال الشاعر الحكيم:
تمر بنا الأيام تترى وإنا..
نساق إلى الآجال والعين تنظر
فلا عائد ذاك الشباب الذي مضى..
ولا زائل هذا المشيب المكدر