حتماً لا يختلف أحد على أن السجن مؤسسة تروض حرية كل من يخرج على الأطر التي تضبط حياة الناس وتحفظ حقوقهم، في السجن تقيد الحركة والإرادة ويعاد التأهيل، بعد أن يصدر بحق الخارج قرار إداري أو حكم قضائي من سلطة مخولة تحتكم إلى تشريعات وقوانين معتبرة، بعد أن يثبت لديها أن هذا الخارج ارتكب جرما أفضى إلى أضرار مجتمعية أو بشرية.
لقد تعارف الناس في مختلف الأزمنة والأمكنة، وعلى اختلاف الثقافات في بلاد الله كافة أن للسجن صورة ذهنية معروفة، سواء من حيث البنية المعمارية، أو من حيث طبيعة الحياة اليومية للسجين داخل أسوار السجن، ومن البدهي أنها حياة فيها الكثير من العنت وما يتعارض مع ما ألفه الإنسان وهو خارج أسوار السجن، كل هذا من أجل إعادة السجين إلى طبيعته البشرية والإنسانية التي تجرد منها عندما ارتكب الجرم الذي زج بسببه في غياهب السجن ووحشته.
ومن المعلوم أن الحديث عن السجون والمسجونين أضحى متواتراً وحاضراً في المنتديات وفي الجلسات الخاصة والعامة، أضحى هاجساً يقلق المتابعين المخلصين الخائفين على وحدة المجتمع وتماسكه، فجلّ فئات المجتمع على اختلاف مستوياتهم العمرية، وانتماءاتهم الفكرية، يطمحون إلى طي هذه الصفحة وإغلاقها بما يتفق مع الأطر النظامية التي ارتضاها المجتمع وتوافق على تحكيمها مرجعاً للبت في القضايا والمشكلات، اختلفت آراء المتابعين بسبب الاختلاف في التناول والتقييم، ومما وسع دائرة المتابعين المختلفين تزايد أعداد المسجونين، واختلاط حابلهم بالنابل، وترتب على هذا الخلط خوض وخرص، فكثر المتحدثون، وارتفعت أصوات المتذمرين، وصار كل يهرف بما يعرف وما لا يعرف، كل يدلي بدلو مليئة بانطباعات شخصية، بعضها ذو طابع متطرف ينقصه الحكمة والحنكة في التشخيص والمعالجة.
لا ريب أن داخل أسوار السجون حابل ونابل، وأن هناك شبه إجماع على أن النابل يجب أن ينال جزاءه، وأن يغلظ عليه في العقوبة وفق أحكام الشرع المطهر نظراً لما تسبب فيه من قتل وترويع وتدمير، الكل مجمع على أن هؤلاء القتلة مجرمون، وبالتالي لا أحد يتعاطف مع فعلتهم، ولا يطالب بالإحسان إليهم، بل يجب أن يعاقبوا ويعاملوا بما يستحقون من جنس أفعالهم البشعة، التي سفكت الدماء وروعت الآمنين، هذه الفئة، المجتمع منها براء حتى الأقربين يتبرؤون ويطالبون ببقاء هؤلاء داخل أسوار السجون حتى تصلح حالهم وتصح أفكارهم ويعودوا إلى رشدهم، أما الحابل فهم على مستويات شتى، منهم من حام حول الحمى ومنهم من ساعد على تسلق الأسوار، لهذا أجمع المراقبون على سرعة البت في هؤلاء ومحاكمتهم كل حسب جرمه وخطورة فعلته، وأن ينال الجزاء الرادع الذي يعيده إلى جادة الحق والصواب.
ومما أعرفه وأشهد به، التوجهات الحسنة الموفقة لإدارة سجن الحائر حيث تبين لي خلال زيارة قمت بها إلى السجن قبل أكثر من عشر سنوات مع فريق من الزملاء في تعليم الرياض، فقد وقفنا على ورش مهنية في (التبريد والتكييف والكهرباء والطباعة والمغاسل) تهدف إلى تمهير السجين في تلك المهن كل حسب ميوله وقدراته، واطلعنا على حلقات تحفيظ القرآن الكريم، الغاية منها توثيق صلة السجين بكتاب الله وتدبر آياته بهدف إحياء الإيمان وتعزيزه في النفوس وهذا مما يساعد في صلاح حال السجين وإيقاظ نزعة الخير فيه، وبالتالي إبعاده عن مواطن الشر والفساد، هذا فضلا عن تقليل مدة المحكومية مما يسرع في الخروج من السجن، وفي هذه الزيارة اتفقنا مع إدارة السجن على فتح مدرسة ليلية لضمان مواصلة السجين الدراسة وتحصيل العلم النافع.
هذه التوجهات الحميدة وما شهد به الأخ عبدالعزيز قاسم يدل على الرغبة الصادقة في جعل السجون مؤسسات إصلاح وتربية وتأهيل، ومع هذا يبقى السجن بغيضا إلى النفس مهما جمل واقعه، ومهما بلغت درجة الرفاهية فيه ونوايا القائمين عليه، ولا ريب في ذلك، لأن السجن محطة يوقف فيها السجين كي يغير من مفاهيمه الخاطئة، وممارساته الخارجة، ويتطهر من ماضيه الملوث ليعود إلى فطرته النقية الصافية من الشوائب الفكرية والوجدانية والسلوكية.