في كل مرة يزداد التصعيد والدماء بين الفلسطينيين وإسرائيل كما يحصل في غزة الآن، أزداد قناعة أن السلام هو الحل، وأن القتل والتدمير ومثل هذه المغامرات غير محسوبة النتائج من قبل حماس، لن يزيد قضية الفلسطينيين إلا خسارة على كافة المستويات.. الذي يجب أن يعيه الفلسطينيون ومساندو العنف المسلح أن إسرائيل لديها من القوة العسكرية والدعم الدولي ما ليس لدى الفلسطينيين؛ وبغض النظر عمّن معه الحق في هذه القضية، فإن هذه الحقيقة عندما نُحللها على بساط الواقعية نجد بوضوح أن لدى الإسرائيليين مخزوناً من القوة العسكرية والسياسية والدعم الدولي ما يجعل الثمن الذي سيدفعه الفلسطينيون عندما يُصعدون عسكرياً باهظاً على كافة المستويات.
دعونا من العنتريات التي جربها الفلسطينيون طوال صراعهم مع الإسرائيليين على مدى عقود، ولم تزد قضيتهم إلا تدهوراً وخسراناً، وتعالوا نناقش القضية من منطلق آخر، منطلق (الرهان على السلام وليس العنف) ومن هو المستفيد من الركون إليه، ومن الذي سيخسر أكثر عندما يصبح السلام هو الهدف والغاية الذي يجب أن يضعه طرفا النزاع كحل نهائي لهذا القضية؟.
ليس لديّ أدنى شك أن الخاسر في نهاية المطاف من رهان السلام هم الإسرائيليون، وأن الرابح على المدى البعيد من السلام هم الفلسطينيون؛ كل ما أريده منكم أن تعودوا إلى تاريخ الإسرائيليين، منذ حرب 48 وحتى اليوم، ستجدون أن (الحرب) هي البقرة الحلوب التي تعيش منها إسرائيل، وأن (توتير أجواء المنطقة)، واستغلال العداء لليهود من قبل العرب هي لعبة إسرائيل المفضلة التي تلجأ إليها بين الحين والآخر بهدف إضعاف الفلسطينيين وتقوية الموقف الإسرائيلي في المقابل؛ لذلك فإن طرح حلول تنطلق من السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لا من العنف، كحل الدولتين مثلاً، والإصرار عليه كما يفعل أبو مازن وفتح، هو في تقديري التوجه الذي سيحرج الإسرائيليين كثيراً، ويستقطب في الوقت ذاته التعاطف الشعبي العالمي مع قضية الفلسطينيين.. ثم ماذا -أيضاً- لو ذهب الفلسطينيون إلى أبعد من ذلك، وقبلوا بدولة ديمقراطية (واحدة) تضم الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي (تحت أي صيغة) كما طرح مرة رئيس الوزراء الأردني الأسبق طاهر المصري (وهو من أصل فلسطيني) يتعايش فيها الفلسطيني والإسرائيلي بسلام؟.. أعرف جازماً أن الإسرائيليين سيرفضون هذه الفكرة حتماً، ولكن اقتراح كهذا سيظهر الفلسطينيين أنهم يبحثون عن (التعايش) والسلام مع الإسرائيليين وليس إلى ذبحهم وإبادتهم وإلغائهم من الوجود كما يزعم الإسرائيليون في المحافل الدولية، ويسير معهم في الاتجاه نفسه -عن غباء وسذاجة- خطاب بعض الغوغائيين العرب، ممن ما زالوا يعيشون على الأوهام، ويعتقدون أن بإمكانهم إلغاء دولة إسرائيل من الوجود.
كل ما أريد أن أقوله هنا أن الحل هو (خيار السلام) وليس العنف، وأن هذه الصواريخ التي يُمطر بها الحماسيون إسرائيل، فضلاً عن أنها بدائية، وذات فعالية ضعيفة على المستوى العسكري، فهي في الوقت نفسه تصب في مصلحة إسرائيل عند حساب الأرباح والخسائر، وتقدم المبرر لإسرائيل للذهاب بعيداً في ردة فعلها العنيفة، وتضطر المجتمع الدولي للسكوت عن تدمير إسرائيل للبشر والحجر في غزة، بل وربما تقف معها كما جاء في تصريح البيت الأبيض تجاه العملية الإسرائيلية الأخيرة.. علماً أن الإسرائيليين لم يُقدِموا على هذه العملية إلا وقد حسبوا بدقة جميع الاحتمالات، وتأكدوا أن القطاف السياسي سيكون محرزاً عند نهاية العملية، وهو ما تشير إليه كل المؤشرات حتى اللحظة للأسف.
وأخيراً أقول: أن تصنع قارباً من أخشاب الزيتون لتصل به إلى الضفة الأخرى من النهر خير لك من أن تلوث مياه النهر بدماء البشر؛ هذا ما يقوله منطق ومزاج العصر الذي نعيش فيه، وليس فقط كاتب هذه السطور.