لنكن صادقين مع أنفسنا؛ لنواجه الحقائق وإن كانت مُرَّة كالعلقم، فبوادر الأحداث تشير إلى أن شيئاً ما يجري السعي لتحقيقه عاجلاً غير آجل؛ أحياناً بالسياسة والكياسة والاتفاقات المخادعة كما حدث في قضية غزو صدام للكويت وتهويل الأمر حتى قضت أمريكا لا على صدام؛ ولكن على العراق قوة عربية صادة أطماع المجوس واليهود، ثم سلمته على طبق من ذهب للفرس يعيثون فيه فساداً، ويمتصون خيراته، ويستغلون موارده النفطية الكبيرة لدعم العدوان السوري النصيري الفارسي القذر على أهل الشام! وأحياناً بالحروب الدموية والغزو والاحتلال؛ كما حدث بعد تحييد العراق ثم غزوه.
نحن العرب لم نفق بعد!
ويبدو أننا لن نفيق إلا على خسارة دولة أو ربما دول أخرى في الخريطة العربية، إما بالاحتلال كما تنوي إسرائيل أن تفعل، وقد ينشر هذا المقال في يوم الاثنين والجيش الإسرائيلي البري يدك حصون غزة ويكتسحها ويسقط حكومة حماس، وينزع منصات إطلاق صواريخ القسام وغير القسام، ويضم القطاع كله إلى الدولة اليهودية، ولا يبقى لأهل فلسطين إلا الضفة الغربية التي لا يرى محمود عباس أملاً في العودة إلى الديار القديمة، كما صرح في حوار تلفزيوني قبل أسبوع؛ بل إنه يعلن بأنها أصبحت إسرائيلية خالصة، وهذا يتواءم مع المرحلة التي تسعى لها الدولة اليهودية الباطشة التي تنوي وتخطط، ويبدو أنها قد عقدت العزم على القضاء المبرم على أهلنا في غزة لكي لا يبقى للفلسطينيين سوى الجعجعة الإعلامية في منابر الأمم المتحدة للتفاوض حول الاعتراف بشريط الضفة الغربية دويلة فلسطينية داخل الجدران الإسرائيلية العالية التي تلفه من كل جانب!
دولة إسرائيل الكبرى قادمة مع مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي بدأ التخطيط له ووضع خطوطه العريضة هنري كسينجر بعد هزيمة إسرائيل في حرب رمضان 1393هـ الموافق أكتوبر 1973م؛ فآمن هذا اليهودي المتصلب المتعصب أن العرب لازالوا أقوياء، ولابد من وضع خطط لإضعافهم بحروب تستنزفهم، كما حدث في الحرب العراقية - الإيرانية، ثم غزو العراق للكويت، وتقوية عنصر آخر غير عربي في المنطقة ليتقاسم الهيمنة مستقبلاً على المنطقة العربية مع إسرائيل؛ وهي إيران الفارسية، ثم تبدأ المرحلة الثانية؛ وهي تقسيم المقسم، أو تفتيت المفتت، وقد بدأ تنفيذ جزء من المخطط بالقضاء على العراق العربي، وتحويله إلى فارسي، وتقسيمه إلى كانتونات ثلاثة: أكراد في الشمال وعاصمتهم كركوك، وشيعة في الجنوب وعاصمتهم البصرة التي يشتغل فيها الريال الإيراني أكثر من الدينار العراقي! وأقلية سنية مضطهدة في الوسط وعاصمتها بغداد التي ليس لها من العاصمة إلا الاسم، بينما القيادات السياسية والأمنية والحزبية كلهم إما إيرانيون أو أحزاب شيعية كحزب الدعوة المتطرف الدموي.
وبدأ أيضاً تنفيذ جزء آخر من المخطط بالسعي إلى تقسيم عدد من الدول العربية، بحيث تتكون خريطة الأمة العربية من ثمان وأربعين دويلة بدلاً من أربع وعشرين! والخطوة الأولى كانت في السودان، فقد عزل جنوبه عن شماله تحت اسم دولة جنوب السودان، والنية منعقدة على سلخ جنوب مصر عن شماله باسم دولة النوبة! وسلخ جنوب الجزائر للبربر، وكذا الشأن في المغرب، وسلخ الشريط البحري في سورية وعاصمته اللاذقية لدويلة علوية نصيرية بعد أن يسقط نظام بشار على ضربات الجيش الحر الباسلة، وإثارة القلاقل الطائفية في عدد من البلدان العربية التي يشكل الشيعة نسبة ولو محدودة فيها مثل البحرين، كما هو الشأن الآن في الإعلام العالمي الموجه والمغذى من منظمات متصهينة أو منتفعة من إضعاف الوجود العربي والإسلامي!
الامتحان عسير وعصيب هذه الأيام؛ فإما مقاومة وإصرار على الحق وبقاء، أو انهيار وانحلال وذوبان وفناء وتحقق لمشروع الشرق الأوسخ! الذي ترعاه أمريكا ودول غربية عديدة والغة في التخطيط لتدمير الأمة العربية والإسلامية!
لقد بدأت هذه الحملات على الأمة قبل أكثر من قرن؛ ومن الخير أن نربط الأحداث المؤلمة: فقد قرر الإنجليز وأذنابهم القضاء على الخلافة الإسلامية التركية؛ لأنها تجمع شتات المسلمين في كل بقاع العالم الإسلامي كقوة واحدة؛ ولذا اشتغل يهود الدونمة بتكوين فصيل عسكري سري لإسقاط عبد الحميد الثاني، وافتعال ثورات تمرد في أجزاء من ممالك الخلافة العثمانية في القوقاز وبلدان شرق أوربا وفي الحجاز على يد الشريف حسين بن علي الذي ألقوا في روعه بأن سيكون زعيم الأمة العربية البديلة للخلافة الإسلامية، ورسائل مكماهون خير دليل على وعود الإنجليز الكاذبة وتعلق الشريف بذلك الوهم؛ فتم الاتفاق بين دول النفوذ الأوروبية على تقاسم ممالك الخلافة التركية بما عرف باتفاقية سايكس - بيكو 1916م، وزُرع الكيان اليهودي الصهيوني، واحتلت معظم البلدان العربية، ولكن حلم إنجلترا ثم وريثتها في السيادة أمريكا بوأد القوة العربية والإسلامية لم يتحقق؛ فسرعان ما تخلقت مشاعر مقاومة الاستعمار بحركات التحرر العربية، ثم بدأت مشاعر وعي إسلامي مصاحب أيضاً تلك الحركات؛ حتى استطاعت الأمة تكوين خطابات عروبية وإسلامية قد تتقاطع وتتنافى؛ لكنها تكاد تجمع على أن الوقت حان لاستعادة وجود قوي بهي للعرب للمسلمين يستعيد كرامتهم، ويحفظ بيضتهم، ويعلي شوكتهم، ويقيم كيانهم منيعاً عزيزاً؛ وهو ما نراه ماثلاً الآن في لغة الشارع العربي بقياداته ولغته الجديدة المختلفة كل الاختلاف عن لغة المهادنة والاستسلام والضعف وربما الانقياد والإذعان!
يحلمون بدولة إسرائيل الكبرى يحميها النووي، وأمريكا ودول الغرب؛ ولكن الإباء والعزيمة والإيمان بشرعية وحق العرب والمسلمين في الوجود لن يدع لهذا الحلم سبيلاً للتحقق!
نحن الآن جميعاً في مرحلة فرز؛ إما أن نكون أمة واحدة على موقف واحد فلا تأكلنا الذئاب، أو أن نتفرق فيغدر بنا اليهود والأعاجم في ليلة طويلة غير ظلماء!
نحن في مرحلة حسم وفرز: إما أن نبقى أو ننقرض!
moh.alowain@gmail.commALowein@