سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة - وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
أشير إلى المقال المنشور في صحيفتكم الموقرة بعنوان: (الخلع وظلم المرأة) للكاتب إبراهيم بن سعد الماجد في زاويته (حديث المحبة) في يوم الأحد الموافق 26-12-1433هـ العدد (014654) بدأ الكاتب مقاله ما نصه: رسالة مؤلمة من زوجة سابقة أضعها بين يدي الفقهاء بغية أن نسمع رأيهم ونصل إلى نتيجة عادلة تحقق لنساء المجتمع الأمن والآمال والاستقرار.. الخ.
قلت هذه المقدمة كل ينشدها للرجل وللمرأة في ظل الشريعة الإسلامية، وأكد على ذلك نصوص الكتاب وما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشأن الحياة الزوجية المستدامة، والله سبحانه عزَّ وجلَّ جعل الزواج بين الرجل والمرأة عقداً غليظاً وذكر سبحانه أنها حدود الله.
والحياة الزوجية مبنية على أسس ونظام، يقول الدكتور الشيخ فيحان بن سالي المطيري في كتابه (إتحاف الخلان بحقوق الزوجين في الإسلام) أن المرأة في الجاهلية كانت حيواناً نجساً لا روح له وليست من الإنسانية في شيء وإنما هي كسقط المتاع.. الخ. وقال: وأما الإسلام فقد اعتبر للمرأة اعتبارها فهي شقيقة الرجل خلقت من نفسه يحققه قول الحق سبحانه وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم 21). وهنا أمران:
الأمر الأول: أن المرأة خلقت من نفس الرجل وهي إشارة إلى خلق حواء من ضلع آدم، وذلك أن الرجل لابد له من المرأة ولا تستقيم حياته الكريمة بدونها ولهذا كانت له سكناً ومن هنا كان لابد من وجود هذا الكائن الحي الذي جعله الإسلام نصف المجتمع وهو المرأة.. الخ.
الأمر الثاني: التركيب الإلهي وهو جعل المودة والرحمة بين الزوجين وإن ذلك كله آيات لأصحاب العقول السليمة والفطر المستقيمة. وإذا نظر إلى أحكام الجاهلية قديماً وحديثاً في كل مكان عرفنا أصالة الإسلام وعدالة أحكامه في تقرير الحق المتعلق بالمرأة فهي آية من آيات الله وهي أحد الجناحين اللذين يقوم عليهما نظام الأسرة وهي ربة البيت ومربية الأولاد والسكن الحقيقي بين الزوجين يكون بإعطاء المرأة حقوقها كاملة في ظل الإسلام وأخذت مكانتها اللائقة بها في ظل المجتمع.
وللحياة الزوجية أسس ومنها:
1- العدالة التامة بين الزوجين.
2- مبدأ الشورى.
3- درجة الرجل على المرأة.
4- قيام الرجل على المرأة.
فالأساس جاء في قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (البقرة 228). ويقول الدكتور فيحان: فالرجل والمرأة طرفان يتبادلان الحقوق والواجبات في الحياة الزوجية وليس للرجل أن يفتات على المرأة ويسقط حقوقها وإلا كان ظالماً مبطلاً لمفهوم الآية الكريمة، كما أنها ليس لها أن تبغي على شيء من حقوقه وإلا كانت بدورها ظالمة، فشراكة الزوجين محدودة من قِبل الإسلام وليست على الإطلاق، بل كل له وظيفته في الحياة حسب مقوماتها.هـ. بتصرف يسير ص23. والمساواة التي يقررها الإسلام مبدأ يقتضي توزيع الحقوق والواجبات بين الزوجين على سبيل التكافؤ أو المماثلة.
والأساس الثاني: مبدأ الشورى:
فمبدأ الشورى من المبادئ التي أقرها الإسلام كما في قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (آل عمران 159). وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى 38). والزوجان متى كانت الشورى مبدأ يسيران عليه كان الوفاق والاتفاق والنجاح الدائم فيما يقدمان عليه من الأعمال المشتركة بينهما.
وانظر إلى قوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} الآية.. إلى قوله تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} (البقرة 233). فهذه الآية تقرر مبدأ الشورى في إرضاع الولد وفصاله، والآية نص يتناول حكم المرأة المطلقة فإن أرضعت ولداً لها من مطلقها فإن أرادا أن يفطماه قبل مضي الحولين ورأيا في ذلك مصلحة له، وتشاورا فيه وأجمعا عليه فلا جناح عليهما فإذا انفرد أحدهما بذلك دون الآخر فلا عبرة بانفراده وكان تصرفه باطلاً إلا أنه إذا كان هذا في حق المطلقة في الشورى والتراضي والتفاهم ما فيه من مصلحة الطفل فأولى أن يكون هو حق الزوجة القائمة في البيت على رعاية جميع الشؤون ص25 و26 و27 بتصرف يسير.
والأساس الثالث: درجة الرجل على المرأة:
وقد قرر الإسلام بنص القرآن أن الرجل يمتاز عن المرأة بقوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (البقرة 228)، فبناءً عليه فإن رئاسة البيت وتدبير الأسرة إنما هي من خصائص الرجل كيف لا؟ والأولاد ينسبون إليه صغاراً وكباراً ونفقتهم وكسوتهم ومسكنهم من الأمور التي أوجبها الشارع عليه قلت: بل عليه أيضاً أن ينفق على زوجته وأن يكسوها ويعد لها المسكن المناسب لمثلها وهو واجب عليه بأصل الشرع. وليس في ذلك حط من قيمة المرأة إنما هو محض العدل نظراً لما يتميز به كل من الجنسين عن صاحبه وهي الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ورئاسة الرجل في بيته ليست رئاسة تحكم وتسلط، بل المسؤولية ولا يتجاوز بذلك حد العدل والمساواة والشورى. لذا صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه وما أنفقت من نفقة من غير أمره فإنه يؤدي إليه شطره) متفق عليه. وليس لأحد أن يقول إن في ذلك ظلماً لها وتعد على حقها لأن الله أعلم بما يصلح وما لا يصلح لكل فرد من أفراد الأسرة.
والأساس الرابع: قيام الرجل على المرأة:
أي القوامة الممنوحة للرجل في القرآن الكريم بقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ} (النساء 34)، فالرجال قوامون على النساء بنص كتاب الله وهذه القوامة تنقسم إلى قسمين: حسية ومعنوية فالحسبة تتمثل فيما يقوم به الرجل من تهيئة القوت والكسوة وإعداد السكن ولا غضاضة فيه على المرأة وهي شقيقة الرجل. والمعنوية: والقوامة للرجل في هذه الحالة لا تعني القهر والغلبة والاستبداد والاحتقار والتسلّط على ما لها من حقوق وواجبات، بل هي قوامة تحفظ لها كرامتها وتثبت لها شخصيتها وأهليتها المعتبرة شرعاً وبقيت ذمتها المالية مستقلة ولا سلطة له عليها أو حق التدخل. والإسلام أباح للرجل المسلم الزواج من أهل الكتاب اليهودية والنصرانية وذلك في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} (المائدة 5).
وهذا منتهى العدل فلم يجعل للرجل سلطاناً على دين زوجته من أهل الكتاب فليس له أن يكرهها على تغيير دينها. انظر نفس الكتاب ص31، وما بعدها بتصرف.
وقد أوردت الكلام السابق لأنه لابد منه حتى يُعلمَ أن الزواج في الإسلام له أسس تنظمه وإذا التزم الزوجان بها وعرف كل منهما حدود الله ولم يخرج عنها كانت حياتهما سعيدة ومستقرة وبعيدة عن المنغصات والمشكلات التي تؤدي بهما إما لطلاق الرجل لزوجته وإما طلب المرأة لخلع أو الفسخ من زوجها.
ومن ثم سرد الكاتب - وفقه الله- رسالة زوجة بما نصه: بأنها تزوجت من شاب قبل ثلاث سنوات وعاشت معه عيشة لؤم وشقاء وجفاف عاطفي كاد أن يقتلها ومع كل محاولتها تصحيح هذا الوضع إلى أنه كان من سيئ إلى أسوأ نكل بكل عواطفها وقتل حبها ومزق ما تبقى من أمل داخلها لجأت للأقرباء فلم تجد حلاً. هددت بالقضاء فكان منه الاستخفاف لكونه كما يظن يمارس دوره الرجولي معها بكت كثيراً وسهرت أكثر كانت وردة فذبلت وكانت شجرة باسقة فانحنت وأنجبت منه وردتين وخوفاً منها عليهما طلبت الخلع. ا.هـ.
وهذا الكلام الذي أورده الكاتب يظهر لي والله أعلم أن المبالغة فيه قد تجاوزت الحد في صف المترادفات في الكلمات ولسنا أمام امرأة لها قضية مع زوجها، فلم يمر عليَّ خلال عملي في سلك القضاء مثل صف هذا الكلام الإنشائي!!
إلى أن قال الكاتب: إنها دخلت المحكمة حاملة ورقة تطلب بموجبها خلاصها من والد ابنتيها وأنه حكم لها بالخلع على عوض قدره مائة ألف ريال وهو المهر الذي دفعه لها، وأنها أبدت للقاضي أنها عاشت معه ومرضت وأنجبت له أفلا يكون له ثمن وأن القاضي قال لها: إن كنتِ تريدين الخلاص فادفعي.. الخ.
إلى أن قال الكاتب ما نصه: هذه قصة من مئات القصص إن لم تكن آلاف أقف أمامها حائراً كيف تعيد له مهره وهو قد قطف زهرة شبابها، بل أكثر من ذلك أنجبت له ذرية؟!
كيف تعيد له مهره وهي باتت أماً مطلقة بسببه؟!
كيف تعيد له مهره وهي أنفقت جلّه إن لم يكن كله من أجل أن تظهر أمامه جميلة أنيقة؟!
كيف وكيف لا أجد لها إجابة شافية ولا أتوقع من القضاة إجابة لكون ما يحصل ليس وليد اليوم إنما هو إرث قديم لا أعلم ما هو مستنده الشرعي وهل المستند الشرعي نص صريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أم هو اجتهاد علماء؟ الخ.
والكاتب - وفّقه الله- أورد الرسالة ولم يتأكد من صحتها وسمع من طرف واحد وترك الطرف الآخر!! مع أني لا أنفي وجود بعض القضايا والمشكلات بين الزوجين بشأن طلب الخلع أو فسخ النكاح أو أن الرجل يطلق زوجته من نفسه وسوء العشرة تحدث من الطرفين فالزوج قد يكون سيئ العشرة وسيئ الخلق وقبل ذلك الدين وكذلك الزوجة، فالزوجة قد لا تحسن اختيار الزوج الكفء صاحب الأمانة والخلق والدين ومن ثم تقع معه في مشكلات قد تنتهي بالطلاق أو الخلع، فلذلك وجه النبي صلى الله عليه وسلم عند اختيار الزوج أو الزوجة باختيار ذي الدين والأمانة والخلق فيما صح عنه. وقد أسلفت بذكر الأسس التي تنظم الحياة الزوجية.
ولا أدري عن الأسئلة التي أوردها الكاتب مثل قوله أنيقة جميلة فهل هو يعلم عن حال الزوجين التي لا يطلع عليها أحد أم هي من الأدب الخيالي التمثيلي؟!!
والذي لا يعلمه الكاتب أن القضاة في المحاكم ولله الحمد يعاملون المرأة كما وجّه بذلك النبي صلى الله عليه وسلم على أنها عوان أي أسيرة وأنها ضعيفة وتأخذ حقوقها كاملة.
وما ذكره الكاتب عن المستند الشرعي في إعادة المهر للزوج عند نظر قضية الخلع كما أن الكاتب أورد سؤالاً افتراضياً وهو أنه لا يتوقع من القضاة إجابة وذلك بسبب الإرث القديم كما زعم!!
مع أن المقال والرسالة المنشورة فيه لم تتعرض للقضاء والقضاة سوى أن القاضي قال لها: إن كنت تريدين الخلاص فادفعي. فالقضية بل كل قضية تنظر في المحاكم لها ملابساتها وخاصة في قضايا الأحوال الشخصية، بل يحافظ القضاة على سرية الجلسات بين الزوجين عند الحاجة.
ولأن المقال تعرض لذكر الخلع الذي أوردته مرسلة الرسالة للكاتب والقضايا الزوجية عند نظرها من قِبل القضاة يرجع في نظرها للشريعة الإسلامية المستسقاة من نصوص الكتاب والسنة أو الإجماع أو قول الصحابي، ففي قضايا الخلع الذي هو حق للمرأة والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع وهو جائز عند جمهور أهل العلم.
قال ابن قدامة - رحمه الله- وبهذا قال جميع الفقهاء بالحجاز والشام وانظر المغني ج7-ص51. وذكر في حاشية الروض المريع الإجماع على جوازه من غير واحد من أهل العلم. انظر حاشية الروض المريع ج6-ص459.
ومن الكتاب قوله تعالى: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (البقرة 229).
قال ابن كثير -رحمه الله- أي لا يحل لكم أن تضاجروهنّ وتضيّقوا عليهن ليفتدين منكم بما أعطيتموهنّ من الصداق أو بعضه.. وقال رحمه الله: وأما إذا تتشاقق الزوجان ولم تقم المرأة بحقوق الرجل وأبغضته ولم تقدر على معاشرته، فلها أن تفتدي منه بما أعطاها ولا حرج عليها في بذلها له ولا حرج عليه في قبول ذلك منها. انظر تفسير ابن كثير ج1-ص272.
ومن السنة سأذكر حديثاً واحداً رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني ما أعيب عليه في خلق ولا دين ولكنني أكره الكفر في الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتردين عليه حديقته؟» قالت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقبل الحديقة وطلّقها تطليقة» رواه البخاري.
والنظر الصحيح دل عليه لحاجة الناس إليه عند وقوع الشقاق والنزاع وكراهية الزوجة لزواجها وبغضه وعدم الوفاق بين الزوجين في بعض الأحيان وتكره العيش معه لأسباب جسدية خلقية أو خُلقية أو نحوها وهو لمصلحة المرأة وإزالة الضرر عنها فكان تشريع الخلع.
وللعلماء في مقدار الفدية - أي العوض- في الخلع وهو يزاد على المهر المدفوع أم لا؟ وخلاف بين العلماء ليس المقام مقام بسط القول فيه. وما ذكره إذا كانت الزوجة كارهة لزوجها ومبغضة له.
وأما إذا كان النفور والإعراض لغير ما ذكر فإنه يكره الخلع باتفاق أهل العلم، بل قال بعضهم بتحريمه ودليل ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} (النساء 20).
وهذا النص القرآني الكريم قاطع بأنه لا يحل للزوج إكراه زوجته أو يضطرها إلى طلب الخلع والانفكاك منه وذلك بالتضييق عليها ومعاشرتها معاشرة سيئة لحملها على الخلع، فلذا لا يحل له أخذ شيء منها وهو قول جمهور الفقهاء.
وكذلك إمساك الزوجة لأجل الإضرار لها حرام، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ} (البقرة 231).
وقوله تعالى: {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} (النساء 19)، فالآيتان تدلان على تحريم المخالعة لغير حاجة ولما فيه من الإضرار بالزوجة والضرر حرام لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار».
وأما إن كان الكره من الطرفين الزوج والزوجة وخشيا التقصير أو التفريط في حقوق الزوجة فإنه يجوز في هذه الحالة الخلع وأخذ العوض إنفاذاً لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (البقرة 229)، فالحق سبحانه وتعالى ذكر أنها حدود الله ولا يحل لأحد أن يتعدى حدوده وإلا كان ظالماً لنفسه. والظلم مرتعه وخيم سواء من الزوج أو الزوجة. والمقصود أن مكارم الأخلاق ومحاسن العادات تقضي على الزوج أن يعامل زوجته بالحسنى فلا يضيّق عليها طمعاً في العوض وقد أرشد الحق سبحانه وتعالى إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. والنبي صلى الله عليه وسلم كان أكمل الخلق في التعامل مع زوجاته ومع اللاتي لم يبقين معه وكذلك صحابته رضي الله عنهم فقد كانوا قمة في الأخلاق والكرم وحسن التعامل مع نسائهم فيمتعون المطلقة وتأخذ حقوقها الشرعية ولا يضيّقون عليهن لأنهم علموا بحدود الله فوقفوا عندها. وأقول إن الإرث القديم ليس اجتهاد علماء، بل نص قرآني ومن السنة النبوية وأما اجتهاد العلماء فهو مستنبط من الكتاب والسنة.
وختاماً أسأل الله لي وللكاتب التوفيق والفقه في الدين ولسائر المسلمين، فمتى ما فهمنا ديننا وشريعة ربنا وفقهنا ذلك في العقيدة والعبادات والمعاملات وفي الأحوال الشخصية عرفنا كيف نتعامل مع بعضنا البعض ونحسن التعامل مع زوجاتنا وأولادنا والآخرين.
وأختم بالذي هو خير قوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} (آل عمران 8).
وصلى الله وسلم وبارك على عبده محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
د. محمد بن عبدالله العمّار