في أيام عيد الأضحى من عامنا الهجري المنصرم ودعت مدينة حائل أديبها الفذ وكاتبها الموسوعي سعد بن خلف العفنان، بعد معاناة طويلة من أمراض داهمته وأبعدته عن الساحة الثقافية حتى توفاه الله.
رحل بصمت في غمرة فرحة الناس بالعيد، فكانت نهايته أشبه ما تكون بنهاية خدينه في مجال الأدب مصطفى المنفلوطي الذي تزامنت وفاته مع وفاة الزعيم سعد زغلول، حيث احتشدت الجموع لتأبين هذا الأخير ورثائه وترك المنفلوطي الذي لم يتبعه إلا أقاربه وبعض محبيه ولولا ما خلّده من كتب تتداولها الأيدي حتى هذا الزمن لكان نسياً منسياً.
رحل العفنان مثخناً بجراحه الذي لم يزدها الزمن إلا نزفاً استمر معه حتى الرمق الأخير من حياته.
رحل العفنان بعد صراع مع حياة الفقر والبؤس والتهميش والنسيان.
رحل لكن لم ترحل منه الثقافة وحب الأدب حتى وهو يصارع الأمرين البؤس والمرض فكان أن دوَّن سيرته وأسماها بخاتمتي سارداً فيها ما يعتري إخوانه المثقفين من عقبات وصعوبات طوال حياتهم ومسيرتهم الأدبية وما اعتراه - رحمه الله- من هموم ظل يكابدها إلى أن فاضت روحه إلى بارئها.
رحل وسوف ترحل كتبه الكثيرة معه إلا أن يقيِّض الله لها من يبعثها من مرقدها فجل كتبه - رحمه الله- قد نفدت من الأسواق ولم تجد من يعتني بها أو يعيد طباعتها، مع أنه كان يعيش في مدينة حائل التي تعتبر رمزاً للكرم منذ زمن حاتم الطائي وحتى الآن، إضافة إلى وجود مؤسسات ثقافية لخدمة الثقافة وأهلها مثل جامعة حائل، النادي الأدبي، جمعية الثقافة والفنون، ولكن لم نر تحركاً منها جميعاً حتى هذه اللحظة للملمة شتات ما دوَّنه الراحل من كتب في شتى المجالات الأدبية والاجتماعية والتاريخية.
فلقد ترك الراحل ما يربو على خمسة وخمسين كتاباً مطبوعاً لعل آخرها كتابه الموسوم بـ(جزيرة العرب وعبقرية المكان) ومن أشهر تلك الكتب أيضاً: النخيل في منطقة حائل، حائل وعبقرية المكان «جزآن»، أعلام علماء حائل، أدباؤنا الرواد الشيخ عبدالله بن خميس، الإصلاح الاجتماعي في عهد الملك عبدالعزيز، الزراعة في المملكة العربية السعودية، المأزق الأمريكي في العراق، أزمة عبقرية العرب، في علم الأخلاق، حاتم الطائي، الإسلام دين الفطرة، ترياق السمر عند العرب، آداب البيت العربي، الحكومة والحاكم في قوانين ابن خلدون، زيد الخشيم، بنت الرصافة «رواية»، حياتي وثقافتي، في التأصيل الثقافي وفي نقد الحداثة، الخصوصية السعودية... وغيرها من كتبه التي أفنى عمره وماله في سبيل إخراجها للوجود معتمداً على ما تدره عليه مزرعته وتجارته المتواضعة من دخل يذهب جميعه لتكاليف الطباعة والنشر، مدللاً في الوقت نفسه على تفضيل الأدباء الهاوين لأدبهم وعلمهم حياة التقشف والبساطة في سبيل نشر العلم والأدب.. رحم الله العفنان وأسكنه فسيح جناته ونفع الله بعلمه البلاد والعباد.
مسعود بن فهد المسردي - الرياض