لكل مجتمع هويته وطابعه العام، المستند على مرجعيته ودستوره، المتوافق مع طبيعته وسجيته.. ولكل فرد داخل مملكته وفي إطاره الأسري سلوكه الخاص به.. والشريعة الربانية الخالدة ضمنت للمجتمع المحافظة على طابعه الإسلامي الذي يميزه عن غيره من المجتمعات، وطالبت بحمايته وحراسته من الخدش والتغيير.. وفي ذات الوقت حفظت للفرد حقه في عدم التجسس عليه واختراق خصوصيته حين يكون خطره غير متعدي،وممارسته داخل حدود مسكنه.. وإن كانت ندبته للإحسان، وهو - كما في تعريف رسول الله صلى الله عليه وسلم له-: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) وهذه الدرجة أعلى درجات الدين.
إن المحتسب في الأساس يقوم بوظيفة دينية ووطنية وإنسانية غاية في الأهمية، وله رسالة سامية تتكئ على ركيزة أساس تقوم عليها فلسفة الحكم في القانون الدولي اليوم، ألا وهي “المحافظة على ملامح المجتمع المسلم في سلوكه اليومي المعاش”، وقد لا يلحظ أهمية هذا الأمر من لم يسافر إلا الخارج ويعش في بلاد الغربة، كما أن هذا الصنيع لا يتوافق وهوى من أفرط في تعاطي الأفكار التحررية فأراد لمجتمعه أن يكون مسخاً بلا هوية يحاكي الغير ويسمح بالحرية المطلقة كما هو في بقية أموره الحياتية الأخرى!!.
لقد حدد معالم الدور، وشخص كثيراً من مفاصل الواقع السعودي اليوم معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ في برنامج “الثامنة” الذي يقدمه “داوود الشريان” على قناة mbc مطلع الأسبوع الماضي، وكان معاليه في نظري متوازناً في الطرح، واضحاً في الرؤية، دقيقاً في التشخيص، محدداً في إسقاطاته، شفافاً في إيضاحاته، فله الشكر من القلب.
لقد كنت قبل أسابيع معدودة في إحدى الأسواق المعروفة بالعاصمة الرياض وشاهدت مثل ما شاهد غيري صورة مأساوية ومخجلة.. بناتنا السعوديات يجلسن ولساعات طويلة، صباحية ومسائية ولوقت متأخر من الليل في محل للعطور والمكياج وربما للملابس النسائية الداخلية مع وبجوار وبمقربة من رجل أجنبي لا يمت لهن بأي صلة لا من قريب ولا من بعيد!!، وليس هو ابن العائلة الفلانية التي عّرفتهٌ من هو، وما معنى العيب الاجتماعي في محيطنا المحلي!!، وقد يكون هذا الرجل البائع لا يدين بالإسلام، أو أنه مسلم بالهوية ولا يقيم أركان هذا الدين ولا يعرف جزيرته وحدوده!!، وغالبية هؤلاء الباعة من أصحاب الخبرة والدراية بنا وبسلوك نساءنا الاقتصادي ولذا تراهم يحرصون على الوسامة ويهتمون بالهندام بشكل مبالغ واضح وفاضح، وبما أن هذا الرجل وبهذه المواصفات هو المشرف على المحل فقد يكلف الفتاة التي هي بعمر الزهور بأعمال تجبرها على التحرك أمامه ورفع هذه القطعة وتعليق الأخرى والتحدث معه بعد نهاية الدوام ومراسلته عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة وقد يتحدث لها ومعها طويلاً لقطع ساعات النهار، وتمزيق ظلم الوحشة حين يحل الليل،وربما يقدم لزميلاته في المحل أو لإحداهن خدمة الإيصال على سيارته الخاصة كرماً منه وفضلاً!!.
لقد خرجت من السوق حزيناً مجروحاً، وكم كنت أتمنى ألّا أرى هذا المشهد في بلدي يوم ما، فهو مشهد مخزي وفاضح، مخالف لسلفيتنا، ومناهض لوسطيتنا، ومناقض لقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، ولا يتوافق مع منطق عقولنا، ويجافى منازعنا الفطرية السليمة.. ويعارض صراحة دستور بلادنا.
إن إدانة معالي الشيخ - وهو المفوض من قبل ولي الأمر للقيام بأمر الاحتساب - إن إدانته الصريحة والواضحة لهذا السلوك الذي يخدش الطابع العام للمجتمع، ويتنافى مع النصوص الشرعية المحرمة لهذا السلوك، ويناقض الأوامر السامية الصريحة والواضحة.. وإلقائه التبعة على معالي وزير العمل توجب على العلماء والعقلاء وأهل الرأي ورجل الغيرة والحمية الدينية والوطنية الصادقة، الصالحين المصلحين التحرك الإيجابي بالمناصحة والمصارحة ووضع الأمر بين يدي ولي الأمر بكل معالمه وبجميع حيثياته حتى لا تغرق السفينة.. وتكثر عناوين الفساد والإفساد في بلادنا حماها الله،،كما أن على الأقلام الوطنية الواعية التنبيه والتذكير والمطالبة وعدم التقصير، وبهذا نغلق منافذ الرذيلة ونقطع الطريق أمام فلول التطرف والإرهاب، وإلا فهذا وذاك واقع لا محالة.. ولمعالي وزير العمل همسة محب وكلمة أذن “ إن وضعنا اليوم صاحب المعالي لا يسمح بالمجازفة ولا التعنت والمصادمة سواء مع العلماء والثقات أو رجال المال والأعمال أو حتى العامة والدهماء والبسطاء من الناس، وخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين والدوحة السعودية المباركة حفظهم الله ورعاهم وسدد على الخير خطاهم لديهم من مشاق الحياة ومتاعب المسئولية ما لا تطيق حمله الجبال فكن لبيباً فطناً، كن كما أمٌل فيك عنواناً للجمع، وباباً للخير، وعوناً على ردم الهوة واحتواء الناس، وأساً من أسس التنمية الوطنية المستدامة فيما لا يتعارض وشريعتنا الإسلامية ويتوافق وهويتنا المحلية، ولتكن بيدك شعرة معاوية.. فهذا أصلح وأسلم وأسعد لك وأعمر للبلاد وأهنئ للعباد) حفظ الله ديارنا ووقانا شر الفتن، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام