بالأمس شاهدنا عدد من الشباب السعودي يقدمون خدمات تطوعية في جميع أنحاء الوطن بمبادرة مباشرة منهم، تعكس جانب من النخوة، والأخلاق والتربية الحميدة، التي نحن بأمسّ الحاجة لتعزيزها وجعلها ركيزة في حياتنا اليومية، التي داهمتها التقنية، وجعلتنا نعيش في جدر معزولة، ونتواصل عبر أقنية وأقبية التواصل الاجتماعي، هذا الكلام أسوقه بعد أن بتنا نستشعر الفقر في علاقاتنا الاجتماعية..
..وفي تعاملاتنا اليومية، وأصبحنا شعوب صامته وانفعالية، وليست تفاعلية، لا تتحرك إلا بلمسات وتغريدات التواصل الاجتماعي، التي لا نعرف من خلفها، وما مقاصدها.
الخدمات التطوعية ينظر إليها أيضا من الناحية الاقتصادية والأمنية باعتبارها مساهمة في تعزيز أمن واستقرار المجتمع، فكلما كان المواطن مبادرا وساهم في الخدمة التطوعية والانسانية، كان لذلك ثمار إيجابية اقتصادية واجتماعية غير منظورة لا يمكن استيرادها من الخارج، لأنها ذات خصوصية سعودية ولأنها تعكس معنى الهوية الثقافية والدينية والحضارية، ولأنها معان ذات علاقة بالبيئة التي نعيشها. وللعمل التطوعي أهمية كبيرة ومؤثرة في حياتنا الاجتماعية التي تميل اليوم إلى التعقيد والانعزالية لكن هناك إيجابيات لا يمكن نكرانها، كتحسن المستوى الاقتصادي والاجتماعي، والحفاظ على القيم الإسلامية، وتجسيد مبدأ التكافل، واستثمار أوقات الفراغ بشكل أمثل، ويعتبر العمل التطوعي توظيف لكل الطاقات في المجالات والاجتماعية الإنسانية دون انتظار المردود المادي لأنه يحقق إنجازات اقتصادية تخدم الوطن والمواطن.
العالم المتقدم يهتم بالعمل التطوعي لما له من أهمية في تنمية الفرد والأسرة والمجتمع، ويعمل على تنظيم عمل المؤسسات التطوعية، ودعم العمل الخيري بقرارات وإجراءات ومؤتمرات ودراسات لتطويره إداريا وعلميا، فالخدمة التطوعية هي من منظور اقتصادي عوامل مسانده للاستثمار الحقيقي (الاستثمار في الإنسان) فليس كل الاستثمارات مادية فقط، بل إن هناك دول متقدمة كأمريكا واليابان بدأت الاستثمار في هذه الجوانب الانسانية، فوجدوا أن التطوع يمنع الجريمة، ويحد من الإرهاب، ويسهم في التنمية الاقتصادية.
خطة الدولة الخمسية (السابعة) تدعو إلى تطوير الخدمات التطوعية وترسيخ خدمات التطوع لدى أفراد المجتمع، والارتقاء بأدائه وذلك من خلال تشجيع وتسهيل قيام جمعيات تطوعية متخصصة تعنى بتنمية الفرد والأسرة والمجتمع، ودعم الجهات التعليمية والإعلامية والثقافية التي تقوم بدعم مراكز العمل التطوعي في المجتمع، وتوعية المواطن بالخدمات التطوعية.
لذا يفترض الإسراع بإنشاء (هيئة خاصة بالعمل التطوعي) لمساعدة الأفراد والجمعيات التطوعية المحلية على تطوير نشاطها، وللإسهام في تذليل العقبات التي تعيق مسارها، والنظر في الصعوبات التي تواجه العمل التطوعي في المملكة وأسباب ضعفه، ودعم التواصل مع الجمعيات المحلية والعربية والدولية التطوعية، والاستفادة من النظام الدولي المتبع في التطوع، وتنشيط القوة الناعمة (soft power) فيما بيننا كسعوديين ومواطنين لنعكس الجمال القيمي والإنساني والحضاري في تعاملاتنا وعلاقاتنا، قبل أن نبحث كيف نؤثر في الآخرين، فالنجاح الحقيقي ميدانه الوطــن، بدلا مـن التنصل من المسؤوليات، ورفع لواء التشكيك والجحود والنكران التي يمارسها البعض.
Ahmed9674@hotmail.comمستشار مالي - عضو جمعية الاقتصاد السعودية