ليس البشر وحدهم هم الذين لديهم قوانين!
نعم، هناك كائن آخر عليه أن يلتزم بقوانين، والأعجب أنه كائن لا حياة فيه! أخمّنتموه؟ إنه الرجل الآلي. هناك قوانين ثلاثة يجب أن يطيعها الرجل الآلي: 1 أن يحمي البشر من الأذى 2 أن يطيع الأوامر 3 أن يحفظ نفسه من الضرر. من أين أتت هذه؟ لنبدأ من البداية...
قصة الخيال العلمي «رناراوند» للكاتب إسحاق أزيموف كانت من أول ما ذُكِرَ فيه القواعد التي على الرجل الآلي اتباعها. كُتِبَت القصة عام 1941م، وفكرتها أن رجلين أُرسِلا إلى كوكب عطارد عام 2015م بالإضافة إلى رجل آلي اسمه سبيدي وذلك لإعادة تشغيل منجم هُجِرَ قبل سنوات، وبينما هم يعملون إذ اكتشفوا أن طاقة القاعدة التي يعملون فيها على وشك أن تنضب فأرسلوا سبيدي إلى مكان مليء بمادة سلينيوم -نوع من المعادن هو مصدر الطاقة للقاعدة- وكان سبيدي هو المؤهل لهذا لأن حرارة الكوكب عالية جداً، وبعد أن أرسلوه مرَّت ساعات ولم يعُد فقلقوا وأرسلوا رجلاً آلياً آخر من نوع بدائي ليبحث عنه، ولما وجدوه رأوا شيئاً عجيباً: رأوا سبيدي يدور حول الحفرة بمشية غريبة، فهو يقترب منها ثم يبتعد، وهكذا يدور حولها وهو يهمهم كلاماً غريباً كالسكران، ولم يروه قط في حالٍ كهذه، ولما طلبوا منه أن يعود معهم ليمد القاعدة بالطاقة لم يستجب وظل يدور ويهمهم تلك الرطانة الغامضة، وهذا ما أقلق الرجلين لأن الطاقة على وشك الانتهاء وأملهم الوحيد هو سبيدي، والذي أزعجهما أكثر هو أنهم لما أمروه أن يعود معهم كان المفترض أن يطيع حسب القانون الثاني، لكن اكتشفوا السبب: الحفرة تحوي مادة ضارة على سبيدي لم يعرفوها، وهذا ما يخالف القانون الثالث (أن يحفظ نفسه)، لكن الأولوية للقانون الثاني، فلماذا لم يطعهم ويرجع؟ السبب أن سبيدي باهظ التكلفة صعب التصنيع، لذلك جعلوا قانونه الثالث أقوى من المعتاد، وهذا ما خلق التناقض، فهو يقترب من الحفرة ليجمع المعدن فإذا شعر بالمادة الضارة ابتعد ليحمي نفسه، فإذا زال الخطر انتبه للقانون الثاني فرجع للحفرة ليطيع الأوامر ويجمع المعدن وهكذا دواليك، لقد تساوى القانون الثاني والثالث الآن في الأولوية، وهذا ما صنع حلقة مفرغة عجز سبيدي أن يتخلص منها، هنا فكر أحد الرجلين وتذكر القانون الأول، فخرج في الجو الحار بدون حلّة واقية واستجاب سبيدي وهبَّ إلى الرجل ليحميه من الحر، وهكذا انحلت العقدة ورجع سبيدي كما كان، لأن القانون الأول له الأولوية.
هذه القصص الممتعة تداعب مخيلة حتى العلماء، وهذا ما يجعلهم أحياناً يحاولون تحويل الخيال إلى واقع ومن ذلك ما جرّبوه عام 2010م معتمدين على القانون الأول، وهو أن لا يضر إنساناً ولا يسمح له أن يتضرر، فهنا سؤال: كيف يعرف الرجل الآلي الضرر؟ لنفترض أن شاباً اشترى رجلاً آلياً يطيع تلك الأوامر، وذات يوم أتى شخص وربّت على كتف الرجل، حينها لا مشكلة، لكن ماذا لو ضربه بقوة؟ كيف يعرف الآلي الفرق بين لمسة لطيفة وضربة قوية؟ بل كيف سيلمس الآلي البشر أصلاً ليحميهم وهو لا يميز الفرق بين اللمس والأذى؟ إذا لم يعرف فإنه سيتفادى البشر تماماً لئلا يؤذيهم! لهذا قام علماء أوروبيون باستعارة رجل آلي من شركة يابانية ومهمته معرفة الفرق بين اللمسة والضربة وذلك بأن يلكم أذرعة هؤلاء العلماء لمعرفة حدود الألم، ثم يغذونه بالمعلومات ليعرف إذا كانت الضربة مؤلمة أو مسموحة، وهذا مهم لأن الإنسان الآلي سيظهر قريباً، ففي نفس السنة استطاع علماء ألمان صنع رجل آلي يقطع الأشياء بالسكين، وعلَّموه أن يتوقف فوراً إذا ما شعر باللحم البشري اللين أسفل شفرته.
تطورات مدهشة! ماذا سيحدث يا ترى إذا عاش الرجل الآلي معنا؟ والأهم، ماذا لو خالف قوانينه خطأً أو - وهذه المخيفة - عمداً؟