انفتحت أبواب سوق العمل أمام المرأة السعودية للعمل في مجالات عديدة، ولكن من أهمها وأبرزها أمام الرأي العام المحلات التجارية.. وتظهر المرأة السعودية في هذه الأماكن العامة ويشاركها شباب سعوديون في أماكن عامة أخرى..
وعموماً يظهر الشباب السعودي من الشباب والشابات لأول مرة تقريباً أمام واجهات الرأي العام السعودي.. وتختلف المدن السعودية في استقبال هذا التفويج الكبير من أبناء وبنات الوطن، ولكن هناك تقبل كبير لهم وهم يؤدون خدمة تجارية هدفها رفد الاقتصاد السعودي بكفاءات جديدة كانت معطلة لفترة طويلة، وهؤلاء من الشباب كانوا بأمس الحاجة إلى العمل والوظيفة.
استبشرنا خيراً، ولا نزال نستبشر الخير من هذه الطاقات الوطنية، ولكن ما يجب أن نتنبه إليه هو أن التجربة أثبتت أن هؤلاء قد قذفتهم الشركات والمحلات التجارية وربما معها وزارة العمل أو صندوق الموارد البشرية إلى سوق العمل دون أدني تدريب مما يجعلهم عرضة للأخطاء والانتقادات الواسعة من الرأي العام المحلي بشقيه السعودي والأجنبي.. فمن الواضح أن دورات تدريبية تعلمهم كيف يتعاملون مع الجمهور كانت غائبة، كما أن الجوانب الفنية للعمل المحاسبي هي شبه كارثة تتجدد دائماً مع أي كاشير سعودي تقريباً..
إن مواجهة الجمهور أو التعامل مع الجمهور هو فن بذاته، ولها قواعدها وأساليبها، ولكن فيما يبدو أن هؤلاء الشباب والشابات اقحموا مباشرة في خضم هذه المواجهة دون تدريب أو تهيئة عملية. وكان من الأوجب على تلك المؤسسات والشركات أن تكون قد سهلت عمل هؤلاء المواطنين لو قدمت لهم كل ما يحتاجونه من معرفة وتدريب وتهيئة لسوق العمل الذي خاضوه بلا أدنى مساعدة.. وفيما يبدو أن هؤلاء الشباب من الجنسين استعانوا على أمرهم بطبائعهم الشخصية التي اعتادوا عليها مع أهاليهم وأقاربهم وأصدقائهم.. وهناك فرق ينبغي الالتفات إليه..
من يلاحظ موظفين سعوديين من الرجال والنساء ويقارنهم بموظفين آخرين غير سعوديين يلاحظ الفرق من أول وهلة، وأهم هذه الفروق هو مستوى الأزعاج العام الذي تحدثه هذه الكوادر السعودية.. صوت عال يسمع من المحلات المجاورة وكأننا نقول “في محلاتنا سعوديون”، ومفردات الصوت غير مناسبة للسماع العام أمام الناس فكأنهم يتحدثون لشلة من الزملاء او الزميلات دون أدني احترام للعملاء الذين ينصتون لكل كلمة منهم وكأنهم يقولون إنها شاهد حي على إخفاق السعوديين في هذه الأعمال.. وباستطاعة أي من العملاء الموجودين في مثل هذه المحلات أن يعرف كل صغيرة وكبيرة في حياة وهموم كل موظف أو موظفة من السعوديين، ماذا طبخوا؟ ومن التقوا؟ ومن اتصل بهم؟ وما ردة فعلهم تجاه موضوع أو قضية إلخ.. من السواليف الشخصية ودائماً بصوت مرتفع وتتقاطع الأصوات فيما بينها، فمن هو في الكاشير يتحدث مع من هو في مكان يبعد عنه عشرات الأمتار، ويمكن أن تقطع المديرة المناوبة هذه الأحاديث بسواليف أخرى وبمداخلات جديدة، فهي تستمع لهم ولهن لأن الأحاديث صاخبة في كل الأرجاء.. وفي المقابل نجد أن موظفي الواجهات العامة من غير السعوديين يهمسون همساً ويتحدثون بهدوء ودون أدني إزعاج أمام الآخرين.. هذا فن الأتكيت المعروف لمثل هذه الوظائف العامة. وكان من المفروض أن يتعرف الموظفون السعوديون أولاً على هذا الفن بشكل جيد قبل أن يقتحموا غمار هذه الواجهات العامة..
وثاني المشكلات هي عدم القدرة على إنهاء العمليات المحاسبية على أكمل وجه، ففي الأغلب تظهر المشكلات الفنية المختلفة التي بدأنا نعتاد عليها: “علق الجهاز”، “فيه مشكلة فنية بالجهاز”، “خلني ارجع اسحب مرة ثانية الظاهر العملية ما مشيت”، “الخط مشغول”، “أنت متأكد أن في حسابك ما يغطي المبلغ”، “والله الي قبلك واجه نفس المشكلة”، “اش رايك تروح تمشى شوي وارجع”، “لحظة يكلم المدير واجي لك”.. الخ من المبررات الكثيرة التي تعيق عمليات البيع السريعة التي كنا متعودين عليها.. وواضح أن الكاشير والكاشيرة السعوديين لم يخوضوا عملية تدريب متقنة تهيئهم للحلول السريعة والمعالجات المثالية في مثل هذه الحالات..
ونحن نرحب بوجود بناتنا وأخواتنا وأبنائنا وإخوتنا في مثل هذه المواقع، ولكن الجميع يراقب، والجميع يتحدث، والأغلب يسخر وبعضهم يستنكر مثل هذه الممارسات غير المناسبة ولا تعكس واجهة حضارية عن عمل السعوديين والسعوديات وخاصة في محلات البيع العامة.. والحلول ليست صعبة فهي أن تعمل وزارة العمل على إلزام كل من يتوظف في هذه الأعمال أن ينخرط في دورة تدريبية مكثفة لمدة أسبوعين أو حتى شهر للتعرف على صناعة البيع والشراء وفنون الأتكيت في مواجهة الجمهور والتدرب على أساليب الحلول الفنية، فيجب أن يتعلم السعوديون شيئاً أكثر من مجرد الوقوف أمام الجمهور والصخب العالي الذي يطرب الآذان في كل وقت.. وما علمته أن الدورة التي قد يأخذها الموظف لا تتعدي يومين أو ثلاثة لبعض الموظفين فقط وليس للجميع.. ونحن في الخطوة الصحيحة لتصحيح مسار هذا القطاع العريض بإحلال السعوديين مكان نظرائهم المتعاقدين، ولكن نريد أن يكون أداؤهم احترافياً بالمستوى الذي نتمناه..
alkarni@ksu.edu.saرئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال - المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية - أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود