عندما اقترب النبي - صلى الله عليه وسلم - من حصون الطائف مع جيشه استعداداً لفتحها رفع الصحابة الكرام أو بعضهم أصواتهم بالتكبير، فالتفت إليهم النبي الكريم وقال (أربعوا، فإنكم لا تدعون أصم..) أي اخفضوا أصواتكم، ولا داعي لرفعها عالياً؛ فالله تعالى يسمع دبيب النملة وما دونها.
اهتمت وزارة الشؤون الإسلامية بحماية المساجد من استغلالها لغير أغراضها، أو لنشر الفكر الهدام والتخريب، ونجحت نجاحاً كبيراً في ذلك، قلَّ نظيره. كما أن المساجد - ولله الحمد -تنتشر في الأحياء والطرق السريعة وعلى أطراف المدن، وهذا طابع البلاد الإسلامية وعلامة إسلامها البارزة.
إلا أن ما لم تعره المتابعة والتنظيم والاهتمام اللازم في بيوت الله هو الاستخدام الأهوج لمكبرات الصوت من قِبل كثير من المؤذنين - عافاهم الله -. وأقول البعض منهم وليس جميعهم، ولا أعمم.
الأذان شعيرة إسلامية، يحترمها ويجلها كل مسلم، بمجرد انطلاقه عبر الأثير يستشعر المرء السكينة والسلام؛ لما تحمله كلماته من معان روحانية ودعوة للفلاح؛ فحقَّ على كل مؤذن استشعار عظمة هذا النداء ومعانيه، فيتجنب الصراخ ووضع لاقط الصوت على فمه مع ضخامة وتعدد مكبرات الصوت على المآذن؛ ما ينتج منه دوي يصم الآذان، والمسلمون يريدون أذاناً لا عويلاً أو صراخاً من البعض - عافاهم الله -. في كتب المستشرقين وأدب رحلاتهم إلى الشرق الإسلامي أن من أكثر ما يسترعي انتباههم ويرهفون له أسماعهم صوت المؤذنين ينساب ندياً رائقاً من على منابر المساجد، وبلحن يأسر الألباب. وهذا من السنة، ومما دعا إليه النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - إذ قال لمن سمع في منامه كلمات الأذان (مر بلال بن رباح فليؤذن بها فإنه أندى منك صوتاً).
على وكالة الوزارة لشؤون المساجد أن تعاين وضع مكبرات الصوت في المساجد، ومثالاً على ذلك: مسجد صغير في شمال الرياض، وله منارة واحدة، هذه المنارة عليها سبعة مكبرات للصوت!! فهل هذا معقول؟ كيف سيكون وقع الأذان على مسامع الأطفال، وخصوصاً هذه الأيام، مع عدم استخدام المكيفات وهدوء الفجر؟ ويشهد الله الذي سيحاسبني على ما أقوله أنه لولا الوضع الذي وصل إليه حال كثير من المؤذنين، ومنهم كبار سن وشيوخ يصدر منهم عويل وليس أذاناً، ولولا الغيرة الإسلامية على هذه الشعيرة، لما سطرت هذه المناشدة لوزارة مسؤولة أمام الله ثم الناس. أضف إلى هذا: كيف سيكون انطباع غير المسلمين المقيمين في البلد، ممن نرجو لهم الهداية، أو على الأقل الانطباع الحسن عن ديننا وشعائرنا؟ هذا والأذان في أيامنا هذه أصبح يصدح في أجهزة الجوال والقنوات الفضائية ووسائط الاتصال. قديماً عندما كانت المساجد من الطين، وقبل انتشار مكبرات الصوت، كان رفع الصوت بالأذان أمراً ملحًّا؛ لإيصاله لأبعد مدى ممكن، وفي السنة الشريفة أن أطول الناس أعناقاً يوم القيامة هم المؤذنون.
مؤذن المسجد المكي الحرام علي ملا - حفظه الله - ذكر أن الأذان له مقامات بحسب وقته، أو سلَّم صوتي، فنبرة وطبقة أذان الفجر، تختلف عن الظهر عنها في المغرب، وهكذا، فأين الوزارة من تعليم المؤذنين ذلك في دوراتها التي تقيمها لهم؟ والله من وراء القصد.
omar800@hotmail.com