في الدورة الحادية والعشرين للمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة (اختتم في الأسبوع الماضي) أجمع المجتمعون على ما لا خلاف عليه بالأساس واختلفوا على الباقي وهو أكثر من المتفق عليه. اتفقوا على الأمور التالية:
كفر وردة من استهزأ بالله ورسله وكتبه أو استخف بشيء علم بالضرورة من دينه، مستشهدين بما وقع من تطاولات على الذات الإلهية ومقام النبوة.
وجوب تذكير المسلمين بالقضايا الإسلامية وفي مقدمتها قضية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى.
ضرورة التضامن مع الشعب السوري في محنته وتقديم العون اللازم له.
استنكار اضطهاد المسلمين في ميانمار ووجوب التضامن معهم.
كانت تلك هي أهم المسائل التي تم الإجماع عليها بين علماء رابطة العالم الإسلامي في مؤتمرهم الأخير، أما الأمور التي لم يتم التوصل فيها إلى إجماع فتشمل التالي:
إخبار الطبيب لأحد الزوجين بنتائج الفحوص الطبية للطرف الآخر في حالة احتمال الخطر من نقل المرض إليه وبالتالي إلى المتعايشين في نفس المنزل وربما إلى المجتمع المحيط.
زواج القاصرات، وقد تم ترحيل النقاش في ذلك إلى ما بعد انعقاد مؤتمر الأسرة المسلمة.
إيقاف العلاج عن المريض الميؤوس من حالته، وقد تم أيضا ترحيل هذه المسألة إلى الدورة القادمة.
أكثر مدة الحمل واحتمالات الخطأ في حسابها.
مدة انتظار المفقود وما يترتب على ذلك من عدة الزوجة وتقسيم التركة وتصفيات الحقوق.
انتهى.
وكما هو معتاد في المؤتمرات العربية والإسلامية أيضا تضمن البيان الختامي بين سطوره الكثير من التحذيرات والتنبيهات والمناشدات والمطالبات والدعوات لعقد المؤتمرات والتشديد على وجوب تظافر القوى، وعلى أهمية التواصل بين العلماء والشباب، وما إلى ذلك من استرسالات إنشائية تعود العالم الإسلامي عليها وصنفها بما يشبه الإجماع كمحاولات للتملص من التقصير في الأداء الفقهي والعلمي والعجز عن الخروج بحلول واضحة تقطع الطرق على الاجتهادات الفردية والجامحة والمستفزة لعقول وعواطف الناس.
الملاحظ عند قراءة ما خرج حتى الآن عن البيان الختامي إلى العلن أن العلماء الأفاضل، كما هو مألوف بعد كل مؤتمر واجتماع متفقون في إلقاء اللوم عن تفشي الظواهر السيئة والانحرافات الشرعية والأخلاقية على تقصير الحكومات ووزارات التربية والتعليم العالي، وعلى من يسمونهم عوام المدنية الحديثة وما يتعرض له المسلم من تأثيرات خارجية، لكنهم يتحاشون دائما وأبدا توجيه بعض اللوم إلى ذواتهم وخلافاتهم ومؤسساتهم ومدارسهم، ولا يقرون ببعض التقصير والتخبط المؤسساتي والشخصي فيما آلت إليه الأحوال، وبعمق واتساع الهوة بينهم وبين أجيال الشباب من الجنسين.
من هذا الباب أريد أن أدخل إلى النقاش المتواضع التالي. حين يتفق العلماء الأفاضل في بيانهم على ردة وكفر المستهزئ بالله ورسله وكتبه، هل يعتقدون أنهم أتوا بجديد يحتاج إلى تشخيص واتفاق ويستحق إصدار بيان بذلك؟. أليس من المتفق عليه عند عموم المسلمين، عالمهم وجاهلهم، أن المستهزئ بالله ورسله وكتبه كافر مرتد يجب التعامل معه وفق الأحكام الشرعية؟. حين يذكر العلماء الأفاضل في بيانهم عموم المسلمين بالقضايا الإسلامية وفلسطين والمسجد الأقصى ومحنة الشعب السوري ومسلمي ميانمار، هل أضافوا شيئا جديدا واضحا وفعالا ويشفي الغليل، أم أن الموضوع مجرد تكرار خطابي ممل ثبت عدم جدواه؟.
بالفطرة السليمة سوف يستنتج القارئ أن البيان يحاول التجمل أمام الناس بالاتفاق على ما هو من أبجديات المتفق عليه، دون حاجة إلى مؤتمرات واجتماعات ومصاريف الله أعلم بمقاديرها ودهاليزها. لكن حين يفشل العلماء الأفاضل المؤتمرون في الوصول إلى أحكام فقهية ملزمة في حالات تحقق احتمال نقل المرض المعدي من أحد الزوجين إلى الآخر، بكل ما يترتب عليه من أضرار إضافية للآخرين، وفي زواج القاصرات الذي أصبح سوء استغلاله واضح للعيان، وفي إيقاف العلاج عن المريض الميؤوس من حالته وتركه للممارسات الطبية التي كثيرا ما تصل إلى حدود إلحاق الأذى (غير المقصود) لأهداف مالية أو بحثية، وفي تحديد مدة انتظار المفقود وما قد يترتب عليه من تعطيل الحقوق المعنوية والمادية، أتساءل حين يفشل العلماء الأفاضل في مثل هذه الأمور الحيوية اليومية، أين ينوون إن شاء الله إذاً إدراك النجاح؟.
في استنتاجي المتواضع (وأرجو ألا أتعرض للوم أو العقاب على إبداء الرأي بحسن نية) هو أن المؤتمر الفقهي في دورته الحادية والعشرين لم يحقق ما يستحق الذكر والإشادة، وقد ترك الأمور الحيوية معلقة كما كانت، كما أنه برر تقصيره وصرف الأموال على اجتماعاته بطريقة غير مقنعة لا تحمل أي عمق فقهي قابل للاتفاق والتطبيق، والله من وراء القصد.
- الرياض