كثيراً ما يستوقفك رجل في الشارع ويقول لك على الفور أنت فلان - الكاتب أو الشاعر - ثم يروح يتحدث لك حديث الصديق الحميم عن كتاباتك وإبداعك، بل إنه قد يتناول بالتفصيل أحد موضوعاتك، ثم يهمس في أذنك بأن تكتب عن الموضوع (الفلاني)، ثم تتبادلان -بالطبع- أرقام الهواتف وربما يدعوك إلى فنجان سريع، هذا إذا لم يصر عليك أن تقبل دعوته الصادقة إلى وليمة باذخة يقيمها على شرف جناب الكاتب (العظيم) الذي هو أنت!! بالطبع هؤلاء -في رأيي المتواضع- أكثر حميمية وصدقاً من المثقفين أنفسهم حينما يلتقون في المؤتمرات والندوات، إذ يحدجك أحدهم بنظرة تنمُّ عن التجاهل والتضخم لكي تستجديه التشرف والتلطف بالسلام حتى لو كنت على معرفة سابقة معه، بل حتى لو جمعت بينكما صداقة الأيام التي (تشكرها) لأنها فرقتكما لاسيما وأن مثل هذه النماذج المنتفخة ليست جديرة لا بالصداقة ولا بالمعرفة أيضاً. وهذا المشهد (المزري) الاستعلائي الذي لا يليق بالمثقف لم يكن يحدث قبلاً، إذ كان واحدنا ما أن يعجب بموضوع كتبه أي زميل إلا وحاول أن يتصل به ويصل إليه مشيداً بروعة ذلك الموضوع أو مناقشاً له على الأقل، وهكذا جمعت بيننا سابقاً الأيام وكنا كثيراً ما نتواصل بالسفر وتحمل وعثاء المسافات لكي نتعارف فقط. وهذا التواضع أو التواصل هو سمة المبدع الحقيقي الذي يريد الاستمرار والتواصل مع الأجيال. أما الذي ينتفخ كالضب أو الضبع لا فرق على الآخرين فاعلم أنه سوف (ينبط) ويطق ويتلاشى لاسيما في عصر الإنترنت.