قوة شخصية الإنسان ليست في ضخامة جسمه ولا قوة عضلاته، ولا قدرتها على حمل الأثقال، ومصارعة الأبطال، وإن كانت هذه القوى ذات قيمة عند الناس، وإنما قوة شخصية الإنسان الحقيقية في قلبه وعقله وإحساسه وجنانه، حينما يكون قادرا على تحديد مساره، وتقدير الأمور التي تحيط به تقديرا صحيحا، ثم يقدم على تنفيذ ما ثبت له من الحق والصواب بقوة عزيمة لا تعرف العنف، وقوة إقدام لا يعرف التهور. القوة في الأصل هي قوة الموقف، وثبات الرؤية على الحق الواضح مهما تكاثرت الصعاب، وتكالبت الذئاب، حتى إذا احتاج الموقف من الإنسان إلى أن يتريث، أو يتراجع، فهو تريث الحكيم، وتراجع العاقل، الذي يداري ولا يجاري أو يماري، فإذا زالت العوائق عمد إلى الحق فنصره وطبقه، وإلى ما فيه المصلحة فنفذه، وإلى ما فيه الخير فواصل السير في طريق نشره ودعوة الناس إليه.
وقد حدد لنا الرسول صلى الله عليه وسلم معنى الشدة والقوة تحديدا صريحا في قوله :ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب.
فالحديث يوجه أنظار الناس إلى معنى آخر للشدة والقوة غير المعنى الشكلي الذي تعارف عليه الناس المتمثل في قوة البدن، وقدرة صاحبه على مصارعة خصومه، إنه معنى سعة الصدر، والحلم، وكبح جماح الغضب، وإطفاء جذوته إذا اشتعلت في قلب صاحبه.
وهناك معنى آخر للقوة والشدة الممدوحة، ألا وهو قوة الصدع بالحق، والوقوف في صفه، والصبر على ما قد يجد صاحبه من العنت والمشقة ومكر الناس وكيدهم.
(خذ الكتاب بقوة) أمر من الله سبحانه وتعالى لنبيه يحيى أن يحمل كتاب ربه بقوة اليقين والإيمان والثبات أمام الصعاب، وبقوة التطبيق له حتى يكون قدوة للناس فيما يدعوهم إليه، قادرا على إقناعهم بما فيه من الحق والخير.
وهو شأن الأنبياء والمرسلين جميعهم عليهم الصلاة والسلام، فقد كانوا أقوياء في إيمانهم وتطبيقهم، والثبات على مبادئهم والصبر على مصاعب الدعوة والإصلاح.
وهو المطلوب من كل إنسان يحمل حقا وخيرا للناس أن يكون قويا في حقه قولا وعملا، قوة مصحوبة بحب الخير للناس والمودة وحسن القصد، وهنا مكمن القوة الحقيقية التي تتحقق بها مصالح العباد والبلاد، بعيدا عن العنف والظلم والاستبداد.
إشارة
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة
فإن فساد الرأي أن تترددا