لماذا أكتب كثيراً عن التعليم؟ قد يسأل أحدكم مثل هذا السؤال، وإجابتي لها شقان، الأول هو أن التعليم هو الطريق إلى التقدم الثقافي والازدهار الاقتصادي في أي بلد، ولعل المثال الناصع هنا، هو استثمار كوريا الجنوبية في التعليم الأولي والجامعي، فبلد خرجت من استعمار ياباني وأمريكي، ومن حروب متتالية، ومن فقر وتخلف، ومن مرتبة 88 في مجال التصدير عالمياً، إلى أن أصبحت إحدى أكبر عشر دول عالمية في مجال التصدير، وكل ذلك بالنهضة العلمية التي ضاعفت عدد الجامعات من عشرين جامعة إلى أكثر من مائتي جامعة خلال نصف قرن!.
والأمر الآخر هو أن التعليم لدينا، وعبر عشرات السنوات، ومن خلال محاولات عدد من الوزراء، لا يسير بخطط إستراتيجية طويلة المدى، بل يسير بالبركة، وكأنما هو مختبر للتجارب، وقد أثارني إلى ذلك ما قرأته حول تقرير التعليم الذي يدرسه مجلس الشورى، الذي يتضمن مقترح إضافة حصة لحل الواجبات المدرسية، وتقديم حوافز مالية للطلاب، وتخفيض الكثافة الطلابية في الفصول و... و... من أجل تحويل المدرسة إلى بيئة جاذبة، ومن غرائب الوزارة أنها تسعى إلى العمل على تخصيص خزانة لكل طالب وطالبة لتخفيف الأثقال التي يحملونها يومياً! هكذا يا جماعة، تخصيص خزانة! وهل يعقل أن تخصص الوزارة خزانة لطلاب جيل التقنية الحديثة، لهذا الجيل الرقمي؟ ألم يسمع هؤلاء بالتعليم المتطور بواسطة جهاز بحجم الكف أو الدفتر، اسمه الآيباد مثلاً؟ يعني هؤلاء لا يفكرون بتخفيف الأثقال اليومية عبر استخدام التقنية، بل يخصصون لهذه الأثقال خزائن في الفصل. ولو افترضنا أن أحبابنا في الوزارة لم يسمعوا بالأجهزة الرقمية التي يمكن أن تحتفظ بمكتبة كاملة، لا مجرد عشرة مقررات، وأرادوا بصدق تأسيس هذه الخزائن، فكيف يحدث ذلك في ظل معاناة الوزارة مع المباني المستأجرة ونقص المباني الحكومية، حتى أن الشركة الصينية التي تعاقدوا معها لتنفيذ المباني المدرسية تعثرت، والتبرير هو أن هذه الشركة تورطت في مشاريع تعليمية منتشرة في 139 موقعاً، في مقابل نقص عمالتها، وعدم وجود إدارة فنية وإدارية لديها! إذن لماذا تعاقدتم معها؟ ولماذا شركة واحدة فقط تنفذ مشروعات ضخمة وفي أماكن متعددة؟.
ماذا تفعل إدارات المشروعات في الوزارة، والإدارة الهندسية، ولماذا تمنح كل هذه المشروعات الضخمة لشركة صينية غير مضمونة الإنجاز والكفاءة؟
كلنا نحلم بألا يزيد عدد طلاب الفصل عن 25 طالباً، ولكن كيف، في ظل تعثر المشروعات بهذه الطريقة؟
ولأننا نحلم بأن يكون استثمارنا المستقبلي في تطوير التعليم، وتطوير الاقتصاد الذي يبنى على المعرفة، لنعد إلى النموذج الكوري الجنوبي، الذي صنع هذا الاقتصاد المزدهر بفعل نقل التقنية من الدول المجاورة وتوطينها. فماذا فعل هؤلاء في التعليم، وفي تطويره؟ هل قرروا إنشاء خزائن حديدية للطلاب، لحفظ كتبهم فيها، كما يحشون المعلومات في عقولهم؟ طبعاً لا، بل تجاوزوا النموذج الياباني وتفوقوا عليه، بتشجيع الاستثمار في التعليم، ومعالجة تأخر التعليم الجامعي مع التركيز على التعليم الجامعي الفني، وتطوير البيئة المدرسية، وتطوير كفاءات المدرسين، وتجديد معارفهم، وتطوير المناهج باستمرار، ولعل الفارق بيننا وبين هؤلاء، أننا نمتلك ثروات ضخمة فقط، بينما هم لا يمتلكون سوى الدأب والإخلاص والإصرار والصبر، فوصلوا إلى حلمهم، بينما تعثر حلمنا عند خزانة التعليم!