خلال الفترة الماضية تم منع واعظين سعوديين من دخول أوربا والولايات المتحدة الأمريكية بسبب آرائهما المتشددة الأمر الذي سيجعل الدعاة والوعاظ يدركون أن هذا العالم قد تغير، وأن هناك قيم معولمة اتفقت البشرية على احترامها وأصبحت من المسلمات الحقوقية في أي بقعة من هذا الكوكب، وأن ما يقال أو يكتب في مكان ما منه؛
يمكن أن يحاسب عليه في مكان آخر، في زمن تداخلت فيه القوانين وأصبح للمؤسسات الأممية صوت مسموع لا تحابي أحدا على حساب القواعد الحقوقية الراسخة.
لم تعد فكرة (الخطابين) تجدي هذه الأيام مع الانفجار التقني والإعلامي حيث كان بعض وعاظنا يمارس الازدواجية في خطابه؛ فهناك خطاب (حنيّن) للخارج وللبشر من ذوي العيون الزرقاء، وخطاب آخر متشدد مع أبناء جلدته وقومه، فهو في الداخل لا يريد أن يخسر جمهوره الذي عرفه متشدداً متنطعاً في الدين، محتسباً على النساء في أرزاقهن، ذا صوت مجلجل على مخالفيه، وفي الخارج يريد أن يظهر رجل الدين المتسامح، المؤمن بالحقوق والحريات بما فيها الحريات الدينية. الذي يفتح قلبه وذراعيه للجميع، فليس لديه ما يمنع من أن يصور (مبتسما) مع رموز الديانات الأخرى ويتبسط معهم وتعلو ضحكاته معهم لكنه غير مستعد لأن يقوم بالفعل نفسه أو حتى جزء منه مع من يقاسمه سكنى هذا التراب.
نجحت تلك الفئة من الوعاظ أن تمارس تلك الازدواجية في العالم العربي الذي لا يأخذ مسألة الحقوق والحريات على محمل الجد، فنجد أحدهم يشنع على الأقليات ويمارس العنصرية الفجة ويقف في وجه تمكين المرأة ويشرعن للعنصرية ضدها في العمل ويقف ضد حقوقها المدنية ويقيم المآتم على الاختلاط والمختلطين في الأرض، إلاّ أنه وفي الوقت ذاته نجده عندما يخرج عن الحدود الإقليمية لدولته يخلع تلك العبارة المتشددة ويتوشح رداء التسامح؛ فتجده يجالس النساء و(يوغل) في الاختلاط بهن في المؤتمرات والندوات (الدينية)، والأعجب من ذلك كله أنه يجد من يبرر له ذلك التناقض على قاعدة (إن الشيخ لا يخطئ).
إن كانت تلك الازدواجية يمكن تمريرها في الدول العربية فهي لا يمكن تمرر بسهولة في العالم الغربي المتشبع بقيم الحرية والمساواة، والذي لا يمكن أن يتهاون مع دعاة العنصرية والطائفية ومروجي ثقافة العنف والتمييز ضد المرأة، وهو الأمر الذي لا يريد أولئك الوعاظ فهمه وإدراكه وأنه لا يمكنه أن يشنع على الغرب ويحرض على حربه ويدق أسفين البغضاء بين الشعوب؛ ثم يقصد تلك الديار النظرة (حساً ومعنى) في إجازاته وسويعات خلوته، لأن هناك مؤسسات حقوقية هدفها في هذه الحياة الدنيا رصد الخطاب المتطرف ومحاصرته؛ فوق كل أرض وتحت كل سماء، ومن كان يريد أن يصدع بحق يعتقده ديانة ولا يخاف في الجهر به لومة لائم؛ فليلزم دياره ولا يشتم قوما بثقافاتهم وحضارتهم في الصباح ليرتحل إلى ديارهم في المساء.
أعتقد أن منع هذين الواعظين من دخول أوربا وأمريكا سيجبر غيرهما على مراجعة خطاب الكراهية والتطرف الذي يروجه البعض؛ فعلى كل الكره (الظاهر) الذي تبديه التيارات الدينية للدول الغربية إلا أنها غير مستعدة لأن تكون من الشخصيات غير المرغوبة في دخول أراضيها وبالتالي فإن تلك الدول ستقدم لنا خدمة جليلة بأن تساهم في ترشيد خطاب التطرف الذي عجزنا عن لجم غلوائه.
aallahem@gmail.com - @allahimمحام وكاتب سعودي