ما زلت أبحث عن العلاقة التي جمعت الأسبوع العالمي للإرشاد لريادة الأعمال الذي احتضنه صندوق المئوية مؤخراً والورقة التي ألقتها مها فتيحي! حيث تضمنت الأخيرة نقداً لاذعاً للمناهج الإسلامية والوطنية
من كل الاتجاهات عمودياً وأفقياً ليترك هذا النقد صورةً باهتة في ذهن المهتمين الذين حضروا اللقاء من مختلف دول العالم, وأجزم بأن هذه الصورة ستزداد سوءاً مع مرور الزمن, وسيكون محالاً إزالة ما علق بالأذهان من أثر (سلبي) كفيلاً بتهيئة الأرضية لأي نقد قد يطول هذا الوطن ومكتسباته.
أثارت فتيحي في معرض حديثها عن المناهج “الإسلامية” و”الوطنية” عدداً من التساؤلات؛ أبرزها: (هل تقوم مناهج التربية الإسلامية بغرس مفهوم الخدمة الاجتماعية في الطلاب والطالبات؟ وهل هي مؤثرة فيهم؟) لتؤكد بأن 82% من السيدات اللاتي شاركن في هذا التقييم أجبن بـ”لا” مشيرة بأنها أشرفت على توزيع 850 استبانة! نجهل أماكن توزيعها؟ والشريحة التي ضمتها؟ وفئاتها؟ وغير ذلك من الأبجديات التي يجب الاستناد عليها عند القيام بأي عملية إحصاء سيصدر عنها أحكام (عامة) إيجابية أو سلبية ستؤثر في نهاية المطاف على أمرٍ ما؛ يتعلق بهذا البلد وسمعته وهو المحظور الذي نخشى الوقوع فيه دوماً, خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالآخر.
سأكون صريحاً عندما أقول: إنني لم أتفاجأ عندما تجاوزتني يمنة ويسرة تلك الغمزات واللَّمزات من قبل المختصين العالميين الذين حضروا وشاركوا في فعاليات الافتتاح, فمازال صدى ضحكات السخرية مدوياً في أذني حتى لحظة كتابة المقال, فكانت كلمة (واااااو) التي أطلقها جلُّ الحضور من أرق الألفاظ التي سمعتها منهم فور تلقيهم للنسبة (المخيفة) التي أعلنت عنها فتيحي في معرض حديثها عن مناهج التربية الإسلامية والوطنية في مراحل التعليم المختلفة, متهمةً الأخيرة بأنها لا تقوم على غرس مفهوم الخدمة الاجتماعية في نفوس الدارسين, دون أن تذكر السبب أو المبرر الذي دفعهم لقول ذلك الأمر إن كان صحيحاً.
استرسلت فتيحي في نقد المناهج الإسلامية والوطنية خصوصاً دون غيرها؛ لتختم الموضوع بتأكيدها أن المناهج الدراسية عموماً لا تعزز المواطنة! لتسوق أمثلة (برونزية) من جمعية مرشدات التي تتولى رئاستها لتؤكد مرة أخرى نجاحها باقتدار في غرس مفهوم المواطنة والخدمة الاجتماعية في نفوس النشء, الأ مر ذاته الذي وقفت دونه المناهج الإسلامية والوطنية عاجزة بلا حراك, فياليتها تتكرم على (التربية) وترشدها إلى الطريقة السليمة لغرس مفهوم الخدمة والمواطنة في نفوس طلابنا وطالباتنا, فلا يمكن لأي كان أن يمتدح نفسه على الهواء مباشرة دون أن يكون هناك مؤشر حسي ملموس يدعم هذا النجاح ويؤكده، ولكن لا أملك في هذا الموقف إلا أن أردد قول أسلافنا (كلٌ يحوش النار لقريصه؟!).
هذه التصريحات المدوية التي تناولتها فتيحي تصدرت عناوين الصحف في هذا الحدث فصحيفة الشرق صدرت هذه المناسبة بعنوان: (82% من السيدات: مناهج التربية الإسلامية لا تدعم مفهوم الخدمة الاجتماعية) في عددها الصادر بتاريخ 7-11-2012م ورقم (339)، ما لا أفهمه تكرار مها فتيحي لهذه المعلومات والأرقام بشكل يثير التساؤل؛ حيث سبق أن تناولت هذا الموضوع بحذافيره خلال فعاليات ملتقى الإبداع الثامن “العمل التطوعي فطرة إنسانية.. ونظرة حضارية” الذي عقد العام المنصرم! ونشرت تفاصيله صحيفة الجزيرة في عددها الصادر بتاريخ 11-5-2011م ورقم (14104)، ولا أعرف ما هي الفائدة المرجوة من تكرار هذه المعلومات بتفاصيلها بعد أكثر من عام على إعلانها!
لست بصدد تقييم هذه المناهج ومحتواها الديني السامي الذي تربينا عليه, ولكنني تمنيت أن تقوم وزارة التربية والتعليم بالرد على هذه التساؤلات أو الاتهامات وتفنيدها, و وددتُ لو كان هذا النقد موجهاً للمناهج العلمية (المعتّقة) التي تدرس في مدارسنا منذ عقود ولم نلمس منها أي إيجابيات تذكر، فالفجوة بينها وبين ما يطرح في مؤسسات التعليم العالي واسعة جداً ولابد من إيجاد حلول وسطية لردمها أو ترقيعها.
مناهج التربية الإسلامية التي تدرس في مناهجنا -وعهدي بها ليس ببعيد- من أفضل المناهج الدينية على مستوى العالم, حيث أثبتت المؤسسات الدينية الخارجية أن المملكة تتصدر دول العالم من حيث تقديم المناهج الإسلامية للطلاب والطالبات, كيف لا وهي الدافع الأساس في كل عمل إيجابي وطني نقوم به في حياتنا, فهذه المناهج ليس فيها اجتهاد أو مواربة أبداً, فهي في مجملها أقوال من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ومقتطفات لأئمة المسلمين؛ أبرزهم صاحب الدعوة الإصلاحية الشيخ محمد بن الوهاب, كما هو الحال مع المناهج الوطنية, وإذا كان هناك من خلل فهو نابع من طريقة تدريس هذه المواد ومن أدوات تناولنا لها (المعلمين والمعلمات) وليس من ذواتها التي ربت فينا كل المعاني والقيم الإنسانية النبيلة.
في كل يوم تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة بتلك الأخبار المبهجة عن أولئك الشباب الذين أوشكوا على خسارة أرواحهم في سبيل المحافظة على أرواح الآخرين وحمايتها سواء في حوادث السيول أو حرائق البيوت والممتلكات العامة, فهؤلاء وغيرهم نماذج مضيئة ولدت من رحم مناهج التربية الإسلامية، فمفهوم خدمة المجتمع يتجاوز بكثير الخياطة وتوزيع الخيار والكوسة!
Alfaisal411@hotmail.comعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود