لقد أتاحت لنا التقنية فرصة لا تتكرر فيما يتعلق بقياس مستوى الوعي لدى المواطن العربي، والسعودي على وجه الخصوص، ودعونا نتجاوز المسائل الأخلاقية الآن، فقد سبق أن كتبنا عن ظاهرة شراء المتابعين في تويتر - على سبيل المثال، وسنعرج على ما يطرح هناك لنتبين أن هناك فرقا هائلا بين التقنية ذاتها، والتي أريد لها أن توسع المدارك، وتزيد من منسوب المعرفة، وبين مستخدميها ومتابعيها، والذين يبدو أنهم استخدموها لتكريس الجهل، وتغييب العقل، ما يعني أن التقنية الغربية ساهمت في تعميق حالة التخلف الثقافي التي تعيشها بعض المجتمعات العربية.
أول ما يلفت الانتباه في تويتر، هو العدد الكبير من المتابعين لبعض الشخصيات التي يتميز طرحها بالسطحية، والدروشة، فمن الملاحظ أن كثيرا من الشخصيات الثقافية ذات الطرح المتميز، والعميق، والتي سجلت بصمتها من خلال الفكر المتألق، لا يتابعها إلا قلة، في مقابل المتابعة الكثيفة لشخصيات لم تقدم شيئا يذكر، سوى دغدغة المشاعر، واللعب على أوتار الخلافات الاجتماعية، وإثارة البلبلة من خلال التعليق على أي قضية، والمناكفة مع أي أحد، والمثير في الأمر أن هؤلاء يتقصدون الحديث عما يجلب المزيد من المتابعة، فتجد أحدهم لا يتورع عن التغريد عن أبسط البدهيات التي يعرفها الطفل الصغير، ومع ذلك يتم تناقلها والترويج لها من قبل الأتباع، أو التابعين، والذين يبدو أنه لا يهمهم الفكر المطروح، بقدر ما تهمهم شخصية المغرد، اذ هم في هذا يتساوون مع جمهور الأندية الرياضية، ومعجبي الفنانين الكبار!.
الغريب في الأمر أن هذه العدوى انتقلت إلى بعض المثقفين، ربما من باب الغيرة، فأحد الكتاب يخيل إليك أنه -قبل أن يشرع في كتابة تغريداته في تويتر- يتخيل نفسه في مسرح في مواجهة الجمهور، وهنا يفكر بأفضل الطرق لاستدرار عاطفتهم، ثم يتقمص شخصية أخرى، ويكتب ما يعلم أنه يروق للمتابعين ، وكأني به يجلس الساعات الطوال بعد ذلك، وهو يقرأ ردود الأفعال المؤيدة، ثم ينتشي، ثم يكتب مرة أخرى، وهكذا دواليك ، ولم لا، طالما أن ما يهمه هو التشجيع والمزيد من الأتباع، ولا أدري كيف يستطيع الإنسان أن يعيش بشخصيتين مختلفتين، ومتناقضتين تماما، ولكن هذا يحصل في المجتمعات التي تعاني من قلة الوعي، والعتب هنا ليس على هذا الكاتب، وإنما على المتابع الذي يتم استغفاله بشكل سافر، ومع ذلك يستمرئ هذا الأمر، وهذا ما يشجع الآخرين على الإيغال في استغفاله طالما أنه لا يمانع من ذلك.
خلاصة القول، هي أن التقنية ساهمت -وبالمجان- في قياس مستوى الوعي لدى شرائح كثيرة في مجتمعنا، و» الوعي» كما نعلم شرط ضرورة لتقدم المجتمعات.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2