السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
قرأت مقال الكاتبة رقية سليمان الهويريني في صفحة الرأي من جريدة الجزيرة بالعدد الصادر يوم الثلاثاء 12 صفر عام 1434هـ، وكان الموضوع ما يشبه البحث التاريخي الأثري، حيث كان لها وقفات في بعض بلدان سدير، ولا غرابة أن تجيب دعوة من الدكتور عبدالعزيز الغزي رئيس الجمعية السعودية للمتاحف والآثار، وقد شجعها على ذلك الشاب الأديب اللطيف يوسف محمد العتيق المشرف على صفحة (الورّاق) بجريدة الجزيرة، وكانت بداية جولة الأديبة رقية سليمان الهويريني التي ينتهي نسبها على ما أعرف إلى بني عمرو من قبيلة تميم، وربما هزها الشوق قبل بداية الرحلة إلى الوقوف على مواطن بني عمرو من تميم وبالذات بنو العنبر منهم، وبنو ظباء الذين لم يبق من آثارهم إلا ما يشبه في كله (باقي الوشم في ظاهر اليد) في شمال غرب وجنوب غرب روضة سدير وما يعرف الآن بـ(المنبجس) وبـ(الجوفا) وقد أفاضت في ذكر بلدة الداخلة ومسجدها الأثري العجيب التصميم الذي تم ترميمه وإبقاؤه على هيئته التي هي صورة في شكلها من حرم المدينة قبل 300 سنة أو أكثر، ولا بأس في إطالة وقوفها في بلدة (الداخلة) فهي مسقط رأس والد أديبنا يوسف العتيق المصاحب للفريق فضلاً عن أن البلدة تاريخية وقديمة البناء وقد ذكرت شيئاً عنها في كتابي (روضة سدير عبر التاريخ) وكان لي إشارة تحقيقية عن سبب بناء (السبعين) الذي استوقف الكاتبة رقية، وأعطيت معلومة خاطئة، إذ قيل إن بناءه كان بسبب اجتياح السيول الروضة والداخلة والعكس هو الصحيح، فالسبعين بُنيت لتصرف السيول إلى الروضة والداخلة، وقد أفضت في ذكر ذلك، وتجدر الإشارة إلى أن الروضة كانت تقع على حافة وادي سدير من الناحية الشمالية، وقد واكبت النهضة الاجتماعية والعمرانية مما جعل الأهالي يفضّلون استبدالها فانقسمت إلى موقعين جديدين أحدهما غربي البلدة القديمة والآخر شرق عنها ولم يبق بها من المنازل منزل لم يتهدم وقد تمت المحافظة على جامعها الذي تم بناؤه بناءً مسلحاً، ومن أشهرها ما أصبح معلماً من معالم الروضة الشرقية، (جامع الجوهرة بنت محمد بن ماضي) فضلاً عن مركز التنمية الاجتماعية لعموم سدير. أما المكتبة العامة فهي لا تكاد توصف بقاعاتها وملاحقها، وما تحويه من الكتب بأنواعها والتي أنشأها محمد عبدالله أبابطين رحمه الله.
ثم كتبت الأديبة رقية الهويريني في صفحة الرأي بجريدة الجزيرة في يوم الخميس 13 صفر 1434هـ موضوعاً قفزت به من الداخلة بسدير إلى عودة سدير التي لبنائها عمق في التاريخ وعبق ما زالت آثاره قائمة والتي منها ما هو (كباقي الوشم في ظاهر اليد) ومنها ما هو قائم وشاهد إما بالتجديد أو بقوة البناء وصموده أمام وسائل التعرية، وقد ألمحت رقية إلماحة ظريفة عن إعجابها بما شاهدته في الصورة من آثار تدل على تماسك الآباء والأجداد في صناعة حضارتهم, وذلك التماسك الذي ترك تلك الآثار شاهداً على تعاقب القرون عليها وبما لمسته والوفد المصاحبة له من كرم شباب العودة الذي يترجمون امتداداً لأمة سلفت من قدمائهم في كرمهم وخلقهم.
وإذا كان لي من استدراك على رحلة ذلك الفريق الذي قام بالسياح في ربوع وادي سدير سابقاً وادي الفقي الذي ألفت في شعرائه أربعة أجزاء وسمتها بـ (الشعر النبطي في وادي الفقي) واستدراكي هو التمني من الفريق زيارة بلد التويم ورؤية مسجده الذي مضى عليه ما يقارب 700 سنة وما زال في حالة جيدة وبخاصة سقفه المرصوف بالحجر، كما كنت متمنياً على الفريق الوقوف طويلاً في الروضة وبخاصة طريقة صرف السيل في جنوب الروضة قبل بناء السبعين، فضلاً عن مشاهدة مئذنة مسجد مشرفة تلك المئذنة العملاقة التي كاد تعانق النجوم بارتفاعها، وغير ذلك من الآثار التي تدل على أن الروضة كانت ذا شأن عظيم في سدير.
ومن تمنياتي على الفريق لو وقف على بلدة الحصون التاريخية ومنه إلى حوطة سدير التي أصبحت الآن من أكبر بلدان سدير وأقواها حركة تجارية وعمرانية بفضل وجود العديد من المصالح الحكومية فضلاً عمّا بها من آثار ما زالت لأيدي القدامى فيه لمسة شاهدة، أما (الحلوة) ومقبله والجنيفي فيكفي المار بها وقوفه على البئر المحفور على رأس الجبل المطل على الحوطة من الناحية الشرقية الجنوبية التي تقع على حافة وادي سدير من الناحية الجنوبية ففيها من آثار المنازل القديمة ما يدل على قدم إنشائها، وقد تركت واستبدلت بموقع جديد يقع جنوباً عنها، حيث شملها التطور العمراني فأصبحت بلدة جميلة ذات تخطيط رائع.
- أحمد عبدالله الدامغ