حين دخلت مناطق تكريت، وسامراء، والرمادي، على خط الاحتجاجات المتصاعدة ضد حكومة «نوري المالكي»، فلأنها عاشت كما هائلا من الممارسات السياسية العشوائية، التي عاشها العراق بمجمله - منذ سقوط نظامه السابق في عام 2003م -، تمثل في تداخلات إقليمية، وصراعات محلية، أبقت خارطتها في إطارها العام، مقسمة على مربعات طائفية.
لم تفلح سياسات «المالكي» في منع وصول تلك الاحتجاجات، وهو المستقوي بالنفوذ الإيراني - لوجستيا وسياسيا -، والمصفي للوجود السني - تشريدا ومطاردة -، والمنفرد حكما بالساحة السياسية، - وبالتالي - فرض سياساته، وتوجهاته على مكونات الشعب العراقي. ولا تسل بعد ذلك عن السيناريو الأسوأ، والمتمثل بعودة العنف الطائفي؛ نتيجة تلك الممارسات المتطرفة، الذي ساد سنوات ما بعد الغزو الأمريكي، سواء في توزيع المناصب الوزارية، أو في إحداث التنمية الشاملة في جميع المحافظات العراقية، وهو ما أبقى العراق ضعيف البنية، وأبناءه في جهل، وفقر، وعذاب.
يعيش العراق سخونة الجغرافيا بمجاورته الدولة السورية، بحدود تمتد إلى 600 كلم. وكما أن سقف الثورات العربية استمر في الارتفاع، وبلغ مرحلة اللاعودة، فإن المشكلة ستتفاقم، ما لم يلتفت إلى مطالب الجماهير، وتأمل الأسباب الداعية لتلك الاحتجاجات عن طريق الحوار؛ حتى يتم انتزاع فتيل أسوأ أزمة سياسية تمر بها البلاد. مع الأسف، فإن إيران لم تقف موقف المتفرج من هذا الحراك الشعبي، كونه يعنيها بشكل كبير، باعتبار أن أي تغيير في ميزان القوى، سيضر بمصالحها مباشرة، مثلما هو الحال في سوريا؛ ولأنها تخشى من عواقب استمرار الاحتجاجات في العراق، وحتى تكتمل فصول بسط السيطرة على العراق في ظل هذه المعطيات، والتي تعتبر مقلقة بالنسبة لها، فقد حذر - آية الله موحدي كرماني -؛ مما اسماه، «مؤامرات الدول الغربية، بزعامة أمريكا في العراق»، وربط ما يجري في العراق من احتجاجات، بما يحدث في سوريا، قائلا: «إن الغرب، وعملاءه، لم ينتهوا بعد من مؤامراتهم في سوريا؛ لكنهم أقدموا على إثارة فتنة طائفية في العراق»؛ ليأتي تصريحه في زاوية الخيبة، ومزيد من الاضطراب، والفوضى، وانعدام الأمن، والسلام.
العراق الذي عانى من الفراغ العربي عقدا من الزمان، هو - اليوم - أمام مفترق طرق. وما لم يعاد النظر في تكوينات العملية السياسية، واستقطاب كافة ألوان الطيف السياسي العراقي، بعيدا عن الطائفية، والعرقية، والمذهبية، فإن الشعب العراقي، سيهتز ثقته في النظام السياسي، وسيؤدي إلى مزيد من الضرر نحو فرص المصالحة الوطنية، والاستقرار العام.
drsasq@gmail.com