يذكر أحد مسئولي الجامعة العربية أنه حينما شارك في مؤتمر ثقافي عقد في العاصمة الإسبانية مدريد في الثمانينيات الميلادية وألقى كلمته باللغة العربية، ثم لما انتهت الجلسة أتاه شاب أسباني وطلب منه الحديث باللغة العربية مرة أخرى وفي أي شيء، رغم أن ذلك الشاب لا يفهم العربية،
إلا أنه قال إنه بمجرد سماعها تتحرك عواطفه ويشعر بشيء في دمه يشده نحو تلك اللغة، ولا عجب فهو سليل عرب الأندلس فكيف لا يطرب للغة أجداده.
تذكرت هذه الحادثة لذلك المسئول حين طالعت تهنئة قدمها نادي برشلونة الإسباني على موقعه الإلكتروني ومكتوب باللغة العربية إلى الشعوب العربية وأبناء الضاد في أرجاء المعمورة، بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية الذي يوافق الثامن عشر من ديسمبر من كل عام.
حقيقة شعرت بشيء من النشوة وبالسرور لهذه اللفتة الحضارية من كيان رياضي بل حضاري استقطب محبين ومشجعين من كل أرجاء العالم، نظير ما يقدمه من إمتاع وفنون كرة ومشاهير ولاعبين يساوي الواحد منهم شركة عملاقة يتردد اسمها في بورصات العالم، وليونيل مسي أقرب مثال. هذا الكيان لا يخفى تأثيره الذي تعدى المجال الرياضي إلى الاقتصادي والاجتماعي والترفيهي بل سيكون له تأثيره السياسي حتى ولو بطريقة غير مباشرة في المستقبل، إذا تهنئة من كيان كهذا لها تأثيرها وقيمتها وبالذات على أبناء العربية وحتى على متعلميها الأجانب.
اللغة هوية الشعوب وحاضنة ثقافتها ووجه حضارتها، واللغة العربية أعظم اللغات وهذا ليس كلاما إنشائيا بل له شواهد وبراهين ناصعة.. فالله جلّ وعلا يخاطب البشر باللغة العربية في القرآن الكريم، وحين يخاطبه البشر سبحانه وتعالى في صلاتهم فباللغة العربية فيما يقرأون من القرآن وفي دعائهم.
وقد ذكر بعض العلماء أن الله تعالى يحاسب الناس يوم القيامة باللغة العربية، وهي لغة أهل الجنة ولغة سيدنا وأبينا آدم عليه السلام فيما ذكره بعض العلماء، فأي قدر ومكانة لهذه اللغة أكبر من هذا القدر.
وعندما تتأمل حال العربية بين أبنائها وعند رموز وقيادات وأكاديميين عرب فإنك تشعر بالخجل من ضعف الإحاطة بأصولها وجمالياتها، عدا عن تنكر الفضائيات العربية لها، فأسماؤها بأحرف انجليزية وهي قنوات عربية موجهة لعرب لا لأجانب، ولكنه انبهار المغلوب بالغالب، كما قال ابن خلدون رحمه الله.
وكم احترمت وأعجبني القائمون على قناة قطر الفضائية حين ظهر اسم قطر باللغة العربية وبخط جميل وواضح على ركن القناة. كما أن الأمل أشرق حين نشطت حركة الترجمة من العربية وإليها، وما جائزة الملك عبدالله للترجمة، وجائزة (كلمة) من إمارة دبي إلا شواهد حضارية راقية لهذا الأمل، فالترجمة هي من جعل علماءنا العرب الأوائل سادة في العلوم من طب ورياضيات وفلك وكيمياء، فنقلوا علوم الإغريق والرومان وطوروها وزادوا عليها من علومهم.
كذلك ما يبعث على الفخر انتشار معاهد ومراكز تعليم العربية في أمريكا وأوروبا مثل ما يقوم به معهد العالم العربي في فرنسا وما تقدمه الجامعات الأمريكية والغربية من دورات ودراسات عليا فيها، وصحيح أن أهداف الدارسين تتفاوت وتتباين، لكن في كل الأحوال انتشار العربية وتعليمها نشر لها وتنبيه للعالم لطبيعتها ومكانتها وجمالها.
بقي أن ألفت إلى أمر أحسب أنه ليس بالجديد عليكم، وهو تعامل المناهج الدراسية في التعليم الأساسي والعام مع اللغة العربية، وتقديمها على شكل قواعد جافة يحفظها الطلبة ويرددونها ويفرغونها من رؤوسهم في أوراق اختباراتهم، فهل هذه هي اللغة وهل تعليمها بهذه الطريقة حبب الطلبة إليها وعرفهم بجمالياتها؟
تعليم الطلبة النطق السليم للكلمات الفصيحة وإدخال المسرح المدرسي في أنشطتها ونشر الخطابة والمسابقات في الإلقاء وحفظ الشعر العربي وغيرها من النشاطات المشابهة، كفيل بعودة اللغة العربية إلى مكانتها في وجدان الدارسين وعقولهم، والله يرعاكم.
omar800@hotmail.com