في عصر يوم الأحد الماضي 1-3-1434هـ سبقنا في الرحيل عن هذه الحياة، الصديق العزيز والمربي الفاضل والمحسن الكريم والشهم الوفي خادم القرآن الكريم الوجيه الأستاذ: فوزان بن فهد بن عبدالعزيز الفهد، رحل عن دنيانا الفانية رحيلاً فجع خلقا كثيراً لا يحصيهم إلا الله عز وجل، لقد كان لرحيله مرارٌة تجرّعها جميعُ معارفه وبخاصة من زامله أو صادقه أو تتلمذ على يديه أو أحسن إليه فضلاً عن أهله وقرابته، وفرق عظيم وبون شاسع بين حياته ورحيله، كانت حياته هادئة فلا صخب ولا ضجيج، وأما رحيله فكان يوما مشهودا احتشدت فيه جموع الناس عرف ذلك من حضر تجهيزَه ومن صلى عليه ومن حضر دفنه.
إذا جلّ قدر المرء جلّ مصابه
وكلُّ جليل بالجليل يصاب
رحم الله أبا فهد فقيدَ المروءة والتربية والبر، وعوّض الأمة بأمثاله، لقد جمع الله في الفقيد صفاتٍ جميلةً ومناقبَ محمودة؛ وحاز مرتبة عالية في محبة الناس له وتأثرهم بوفاته لما يعرفونه عنه ويسمعون من اتصافه بصفات الرجال وجميل الفعال.
فما كان قيسٌ هلكُه هلكَ
واحد ولكنه بنيانُ قوم تهدم
كان -رحمه الله- متواضعا مع ما منحه الله عز وجل من فضله، وقد ورد في الحديث الصحيح: وما تواضع أحدِ لله إلا رفعه الله) رواه مسلم.
كان متواضعاً للكبير وللصغير، وهنيئاً لمن رزقه الله هذه الصفة العظيمة التي هي من أفضل الأخلاق وأحسنها.
وأحسن أخلاق الفتى وأجلُّها
تواضعُه للناس وهو رفيع
كان تعامله مع الناس سَلِساً انسيابيا يصطبغ بالسماحة والتنازل عن حظوظ النفس وحقها مع إيثار الآخرين واحترامِهم وتقديرِهم والثناءِ عليهم وإظهارِ ما يتصفون به من الصفات الحسنة والبعد عن القدح والذم والسخرية.
وكان ذا روح مرحة ومزاح ظريف وابتسامة حاضرة، فلا أذكر لي معه لقاءً أو اتصالاً هاتفيا إلا ويطريه بكلمة لطيفة ونكتة ظريفة والذي أعلمه أن ذلك صفةٌ له في مجالسه وعمله، وفي بيته وبين أسرته وذويه، وكان محباً لبلده الذي ولد ونشأ وترعرع فيه وهو محافظة الزلفي، وإن أردت أيها القارئ الكريم أن تعرف مقدار حبه لوطنه وحرصه على إسعاد المواطنين والمطالبة بما يسرهم ويخدمهم وكأن لسانَ حاله يقول :
بدمي وروحي أفتدي هذا الثرى
أنا دون مغناي المفدّى من أنا
أبداً أنا الباكي إذا وطني اشتكى
وأنا الغنيُّ - ولو عَدِمتُ - إذا اغتنى
في مهجتي ألمٌ وفي قلبي أسىً
حتى أرى وطني أعزَّ وأمكنا
إذا أردت أن تعلم عن شيء من بذله لوطنه فإنني أقول:
كان رحمه الله حريصاً جدا على العمل من أجل النهوض بمسقط رأسه ومراتع صباه، وإن كنت أعرف عنه الكثير من البذل والتضحية على وجه العموم بجاهه وماله ووقته، فإنني لن أتحدث عن صرفه على الأسر المحتاجة ولا عن بذله للأيتام والأرامل ولا ما يخص تعاونه المستمر مع جمعية البر ومكتب توعية الجاليات وجمعية إنسان فلن أذكر سوى طرفٍ من حرصه على جمعية تحفيظ القرآن الكريم بمحافظة الزلفي ومتابعته لها على أن حديثي عنه لا يعني غمط الآخرين حقهم وجحودَ فضلهم كلا !! فإن كثيرين من أهالي المحافظة لهم أياد بيضاء وجهودٌ تذكر فتشكر للرقي بالجمعية والنهوض بها ودعمها وتطويرها. فجزى الله الجميع خير الجزاء وأجزل لهم الثواب والأجر.
أيها القارئ العزيز: قد أفشي لك سراً لا يعلمه سوى القليل من الناس فالجمعية لم تتوسع بهذا الحجم إلا بتوفيق من الله عز وجل ثم بسعيه الدؤوب لإيجاد بنية تحتية للجمعية تستطيع الجمعية من خلالها أن تعملَ وتؤديَ دورَها المناطَ بها. ومن كلامه الذي كان يردده على مسامعنا: الناس لن يدوموا لكم، شقوا الطريق لتوفير احتياجاتكم.
ولعل القارئ يستغرب أن الجمعية تنفق شهريا ما يزيد عن ستمائة ألف ريال.
كان دعمه للجمعية يأخذ أشكالاً عديدة فتارة يدفع قيمة الأرض التي تحتاجها الجمعية، وتارة يتحدث مع رجال الأعمال من أجل الإسهام في مشروع للجمعية، وتارة يشتري لصالح الجمعية عقاراً أو أرضاً على أن تسددَ الجمعية القيمة، وتارة باتصالاته المستمرة بالجمعية ماذا عملتم؟ وما مشاريعكم المستقبلية؟ وكيف أحوال الجمعية؟ وما مدى استفادة المجتمع منها؟
هذا كان دأبه رحمه الله رحمة واسعة.
فما كان مفرحاً إذا الخير مسّه
ولا كان منّاناً إذا هو أنعما
لعمرك ما وارى الترابُ فعالَه
ولكنه وارى ثياباً وأعظما
ومن عباراته التشجيعية لمسؤولي الجمعية: أنتم لا تطلبون لأنفسكم أنتم تعينون الناس على أنفسهم، أنتم تفتحون للمحسنين أبوابا قد تخفى عليهم ؛ لقد كنت أجرأ عليه كثيرا لسهولة تعامله ورقة طبعه ودماثة أخلاقة فلا أذكر أنه ردّ لي طلباً يخص الجمعية سواء مبلغاً مالياً، أو شراَء مشروع معين، أو الذهابَ إلى محسن لطلب التبرع للجمعية، وكم قضى كثيراً من وقته لصالح الجمعية إما لإفراغ عقار، أو لشرائه من مالكه، أو للإطلاع عليه ومدى استفادة الجمعية منه، أو لضيافتي في بيته من أجل التشاور في أمور تهم الجمعية، وكأنى بلسان حال الجمعية يقول:
تبرعتَ لي بالجود حتى نعشتني
وأعطيتني حتى حسبتك تلعب
فأنت الندى وابن الندى وأخو الندى
حليف الندى ما للندي عنك مذهب
وأما الجائزة السنوية التي خصصها لطلاب الجمعية وطالباتها والتي تزيد مصاريفُها السنوية عن مائتي ألف ريال والتي رغب بتسميتها جائزة الفهد لحفظ القرآن الكريم فقد أحدثت في الجمعية نقلة نوعية وحيث مضى على الجائزة أعوام فقد أقامت الجمعية ثلاثة احتفالات لتكريم من يفوز بالجائزة من الطلاب والطالبات، وحفل الجائزة الرابع سوف تقيمه الجمعية بإذن الله في يوم الأربعاء الموافق للرابع والعشرين من شهر ربيع الآخر القادم.
والجائزة المباركة لها دور رائد في تشجيع منسوبي الجمعية على العناية بتعلم القرآن الكريم وإتقان تعلمه. فالله أسأل أن يجعل ما قدمه أبو فهد حياً وما سيقدمه أبناؤه في ميزان حسنات الجميع، اللهم جازه عنا أحسن الجزاء وهيئ له من الجنة نزلا واجمعه مع أحبابه بعد عمر طويل وحسن عمل: في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وبعد: فالمروءةُ وحبَّ الخير للناس وإدخال السرور عليهم وإيصال النفع إليهم، ذكر جميل يفوح عبيره ويضوع مسكه لا يتصف بذلك إلا العظماء، ولا يتحلى به إلا النبلاء وعلى رأس أولاء أبوفهد رحمه الله رحمة واسعة، هذا ما أدين لله به، وأحسبه كذلك والله حسبي وحسبه ولا أزكي على الله أحدا.
لعمرك ما يغني الثراءُ عن الفتى
إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
ألم تر أن المال غادٍ ورائحٌ
ويبقى من المال الأحاديثُ والذكر
سدد الله الخطى وأصلح الأقوال والأعمال وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
- رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة الزلفي