ليس أمام - الرئيس العراقي - نوري المالكي من خيار، فإما أن يتحلّى بالوعي السياسي، وإما أن يستمر قانون الفعل، ورد الفعل. فما يحدث على أرض الواقع، دليل على أنّ الممارسات السياسية، لم تنظر إلى الشعب العراقي على أنه مكوّن واحد، - ولذا - فإنّ الانقسامات التي عاشتها معظم القوى السياسية، كان سببها غياب الخطط الإستراتيجية، والابتعاد عن مفاهيم الأسس الديمقراطية في العملية السياسية. فالتركيز - مع الأسف - على تغذية الأزمة القائمة، كان أعمق من التركيز على إيجاد وسائل؛ لحل تلك الأزمة، وهو ما عبّر عنه القيادي في القائمة العراقية، ورئيس كتلة الوسط في البرلمان، والأمين العام للحزب الإسلامي العراقي - الأستاذ - إياد السامرائي، من ضرورة استجابة رئيس الوزراء لمطالب الجماهير، وبشكل عاجل، - وخاصة - تلك التي تقع تحت مسؤوليته مباشرة، « فالجماهير على حق فيما تطالب، وعلى من في السلطة أن يسمع لها، ويتجاوب معها، فمطالب من خرج في التظاهرات ليست مطالب نقابية، أو معيشية، يتم التفاوض حولها، بل هي مطالب تستند إلى شرعية شعبية، ودستورية كاملة، فلا معنى لطلب التفاوض حولها، بل ينبغي تنفيذها».
وعليه، فإنّ تطبيق مفهوم الوعي السياسي في الواقع العراقي، سيطرح نقطة الاتفاق على عدم قبول الطائفية، والإثنية، أو التفرقة بين أحد من مكوّنات الشعب العراقي من أي وعاء خرجا، وعدم تحويلهما إلى طائفة سياسية، أو أيديولوجية نظام. - وعندئذ - فإنّ النتيجة ستكون ظاهرة، وجلية في عقد اجتماع توافقي، يستوعب الإرادة الإيجابية، والمتفاعلة على أسس جامعة، ومشتركة لطرفي العقد. وإذا ما غاب هذا الوعي، فسرعان ما ستعود الأمور إلى نقطة البداية، بل إلى موارد الهلاك.
إنّ استقراء الأحداث السياسية في هذه المرحلة التاريخية الاستثنائية، ينطلق من قراءة الماضي، وعطاءات الحاضر، مستوعباً استشراف المستقبل، والذي يستوجب استيعاب دروس التجارب المتقدمة، والعمل على تطبيق مصطلح الديمقراطية، بما ينسجم مع منظومة المجتمع العراقي، - سواء - كان ذلك دينياً، أو ثقافياً، أو أخلاقياً؛ لتفعيل الرؤية، وإدارة الصراع، وتحقيق المصلحة العليا للعراق.
بقي القول: إنّ الوعي السياسي لا يدخل في دائرة المستحيل، بل هو قرين الاستقرار. وسيكون أساساً في البناء الديمقراطي، والمتمثل في بناء علاقة إيجابية بين طرفي المعادلة، وهما: الدولة، ومختلف القوى السياسية، والاجتماعية؛ لتضمين مبدأ المواطنة في الإطار الدستوري للدولة. الأمر الذي سينتج عنه تحصين الجبهة الداخلية، وتعزيز دور الحكومة، وتحقيق معاني العدالة، والمساواة بين أفراد الشعب، وسيعبر عن نضج ثقافي، ورقي حضاري.
drsasq@gmail.com