أن تكتب فتلك مسألة ينبغي التفكير حولها بموضوعية وتجرّد. فالنشاطات التي تدر دخلا كثيرة، وإذا سلّمنا بأن هدفك من الكتابة هو تنوير الآخرين أو إعانتهم على السير في الطريق غير الخاطئ فإن القرّاء لا يستطيعون أن يقرأوا النصائح، وخاصة فيما يتعلق بخصوصيتهم، وإن استطاعوا فهم يقرأون لتمضية الوقت، وهذا ليس هدفا مقبولا لا من القراء ولا من الذين يكتبون لهذا النوع من القراء.
أن تكتب فتلك مسألة ينبغي التفكير حولها بموضوعية وتجرّد. فالنشاطات التي تدّر دخلا كثيرة، وإذا سلّمنا بأن هدفك من الكتابة هو تنوير الآخرين أو إعانتهم على السير في الطريق غير الخاطئ فإن القرّاء لا يستطيعون أن يقرأوا النصائح، وخاصة فيما يتعلق بخصوصيتهم، وان استطاعوا فهم يقرأون لتمضية الوقت، وهذا ليس هدفا مقبولا لا من القراء ولا من الذين يكتبون لهذا النوع من القراء. والكتابة عبر الصحافة ليست عملية من تلك التي يقوم بها بعض المأفونين كالظهور أمام الناس أو أمام أناسٍ بعينهم (!) أو الكسب المادي أو الوضع الاجتماعي.. إلخ، فهذه كلها صارت أطلالا وتكسوها شمس الغروب كتلك التي نراها في اللوحات المعَدّة للاستعمال المكتبي (رزنامة - دفتر تلفونات..) ومع ذلك نرى أن ما يحدث هو تفسير العامة للكتابة إذْ ينسبون العملية كلها إلى أنّ البحث عن (الرزق زين) وهو تعبير الطيبين ولكن الخبثاء لن نأتي على ذكر تعبيراتهم المليئة بالشطط والخروج عن آداب الحوار. فالذين يكتبون يهتمون بأن تظهر صورهم كـ(أجمل ما يكون) ويمكن تقبّل هذا لو كانوا (جميلين) لكنّ المشكلة أنهم غير ذلك، ويهم آخرون أن يقرأ جميع (المواطنين) ما كتبوا ولو فتشوا قلوب المواطنين لوجدوها مليئة بالهموم التي ليس منها قراءة شيء ولو كان مهما !. ولكنّ صحافتنا الثقافية - ليس كلها ! - تهتم بأن تظهر للقارئ وهي ممتلئة بالمواد التي هي محل الحوار في العالم، ومنها إضاءة المكان بالجديد الذي يساعد محبي الإبداع أن يوسعوا معرفتهم ويدفعهم للقراءة من المصادر التي تشير لها الجريدة والكتاب الحقيقيون الذين يعرف هؤلاء أنهم جديرون بلقب الكاتب. وإن ظلت بعض صحافتنا تعتبر الثقافة ملء فراغ، وفي أحسن الأحوال أن كل الصحف تنشر ما هو ثقافي فلا بدّ من تفعيل قسم ثقافي ويختار عادة من معارف أو أصدقاء ليست الثقافة همّهم ولا تشكل لديهم اختيارا. ولذا تخرج صحافتهم الثقافية كأبعد ما تكون عن الثقافة.
والغالب في تبرير هذا هو حالة الخوف المرَضيّ من ردّ فعل الدولة أو الناس غير مطمئنين إلى أن الدولة والناس تغيروا ولم يعدْ هناك - ولدينا بالذات - رقيب مسلط على رقابنا، والدليل اننا كنا نراجع وزارة الإعلام لفسح مخطوطاتنا والآن صار من حق رئيس أي ناد ٍ أدبي أو مدير جمعية ثقافة وفنون أن يجيز المخطوط، ويقوم بطبعه مرتاحا؛ فالذي يقوم بإجازته ليس مغفلاّ كي يسمح بطباعة أشياء لا نقول خارجة عن القانون، بل انها تكون إباحية أو ذات دعوة صريحة ضد النظام والمجتمع والدين، أو رديئة لدرجة مخجلة. وهنا يقوم الذي يجيز المخطوط بإخبار صاحبها بالأسباب وينصحه او حتى لا يتدخل في شئونه. ولكن بعض رؤساء التحرير يعتبر الثقافة أشدّ خطرا من السياسة ! ودعونا نحلل العبارة السابقة بشكل يفيد الجميع.
إننا حين نقول إن الثقافة أشد خطرا.. فإننا نفترض كلمة خطرة وحين نسمع التكملة.. من السياسة ! نستغرب ونتساءل (هل السياسة خطرة ؟ إذن لماذا تنشر صحفنا وكتابنا مقالات سياسية ؟ ولماذا يتجمع الناس أمام التلفزيون لمتابعة نشرة الأخبار التي تكون ثلاثة أرباعها ؟!. إن هذا الوهم قام بنشره بعض البشر الذين يسرّهم إخافة الناس !. لقد لمسنا إن كنا نعي ما يدور حولنا ارتباط السياسة بكل شيء يدور حولنا، وصارت الطروحات الثقافية تدور حول محاور سياسية؛ كون السياسة تتحرك تبعا للبوصلة التي تتحكم فيها الثقافة. ويكفينا تدليلا على هذا أن ثمة مادة تدرّس في جامعات المملكة اسمها (علم الاجتماع السياسي) وهو كما ترون لا يستطيع نفي المجتمع من أرض السياسة. ان الأميين الذين يلقون التهم على الدولة التي لا تسمح بقول أي شيء ! هم مجموعة من البشر المضللين سواء يعون ام لا يعون ذلك. فالسلطة السياسية لديها ما يشغلها عن الحراك الثقافي مادام ثقافيا وإنسانيا وحتى حين يتطرق للسياسة فان المسئول لا يقرأه بحس الجاسوس، فقد انقرضت مهنة الجاسوس مع ما انقرض من مهن. صار كمبيوترك الشخصي ضحية للمخربين والمرضى بحب الاستطلاع فيقومون بقراءتك دون ان تعلم وهذا من صالحك لأنهم لا يملكون دليلا ضدك إلا إذا اعترفت بأنك تمارس دور الهكرز وهذه جريمة معلوماتية قاتلة. فلنكن معاصرين بمعنى إننا نتفهم شروط العصر الذي صار يرفض الحديث عن العنصرية والتمييزية والهزء بالآخرين ويحرّم السب والشتم والتحريض ودسّ التهم الملفقة. ولم نقل شيئا عن حرمة التعرض للأعراض والأسرار التي تحدث بين رجل وزوجته أو بينه وبين صديقه ولا يناقش إنسان بسبب آرائه مادامت في حيز الأفكار ولم تخرج حاملة الرماح لتجعل الناس يؤمنون بها. ليس هذا مقالا (مهدئا) كالأقراص المهدئة ولكنه إيمان مني وبكامل حريتي وبناء على قراءتي للمشهد العام ومراقبتي له كوني مواطنا ليس المطلوب منه أن يأكل وينام، بل تطلب منه المشاركة في تنويع نشاط الدولة السياسي. وهي مشاركة لا يمكن قبولها ممن لهم (أجندات) أو (أهداف خاصة) وإنما يقبل ممن يكمن حبّ الوطن في قلوبهم وعروقهم!
alhomaidjarallah@gmail.comحائل