بداية ً (الحل في الحل) ليس لغزاً صحافياً أو بلاغة مزعومة، إنما فكرة المقال تتمحور حول كلمتين تتفقان بالمبنى وتختلفان بالمعنى، رغم أنهما تختزلان واقعاً سياسياً نشاهده اليوم، ونتعايش مع تحولاته، ونتبادل حوله الآراء المتباينة والمتعارضة أيضاً، حيث تأتي الكلمة الأولى بمعنى (العلاج)،
بينما تعبر الأخرى عن الإنهاء أو التسريح للشيء أياً يكن، فما القصد الذي تنطوي عليه فكرة المقال بعنوانه الغريب ومراميه المبهمة؟.
الإجابة على هذا السؤال تبدأ بسؤال آخر وهو: من هي الفئة أو الجهة أو الجماعة، التي صاحبتها وترددت حولها كلمة (الحل) خلال أحداث ثورات الربيع العربي؟. بالطبع هي جماعة (الإخوان المسلمين) المصرية، سواءً بسبب شعارها الشهير (الإسلام هو الحل)، أو من خلال المطالب السياسية والدعوات الإعلامية المنادية بـ(حلّ) الجماعة من داخل مصر وخارجها، خاصةً بعد أن أصبح لديها حزب سياسي هو (الحرية والعدالة)، الذي استطاع الوصول إلى سدة الحكم، من خلال العملية الديمقراطية عقب ثورة 25 يناير المصرية، وهو الحلم الذي كان يراود الإخوان المسلمين منذ تأسيس جماعتهم في بداية القرن الميلادي المنصرم على يد الشيخ حسن البنا رحمه الله، حتى وإن أنكروا هذا الحلم القديم قبل الثورة، أو برروه بعدها بتحسن الظروف السياسية ووضوح المصالح الوطنية وتكافؤ الفرص الحزبية، فإنه يظل هدفاً استراتيجياً للإخوان بدلالة أنهم غيرّوا موقفهم السياسي بالنسبة للمشاركة في سباق الرئاسة المصرية من الرفض إلى القبول، ومن ثم الدخول في مضماره بعد أن شعروا أن كرسي الرئاسة ليس بعيداً عنهم قياساً بفوزهم الساحق مع السلفيين بمقاعد البرلمان (مجلس الشعب).
وفقاً لما سبق تأتي فكرة المقال هنا.. بأن (الحلّ) أيّ علاج أزمة التيار الإسلامي والإخواني تحديداً في المشهد السياسي المصري، سواءً مع التيارات الأخرى العلمانية والثورية أو مع إنسان الشارع البسيط، يكمن في وجوب (حلّ) جماعة الإخوان المسلمين، لهذا قلت (الحل في الحل)! ولحل الجماعة مسوغاته الواقعية واعتباراته الوطنية، وأبرز هذه المسوغات أن تأسيس الجماعة عام 1928م كان لهدف مواجهة الاستعمار الانجليزي من جهة، ومن جهةٍ أخرى تعزيز الدعوة الدينية بالقيم الإسلامية لمقاومة حركة التغريب التي اجتاحت المجتمع المصري، وكذلك المساهمة في بلورة برامج تربوية وعلمية لنهضة الأمة من ترديها الحضاري، وهذا ما أسهم في انتشار سمعة الجماعة وتزايد أتباعها على مستوى الوطن العربي وصعيد العالم الإسلامي، غير أن مبرر تأسيس واستمرار الجماعة لم يعد موجوداً اليوم، فالدولة المصرية ليست محكومة باستعمار غربي يتحكم بمصيرها، بل لقد تحررت من عقدة الخوف الديكتاتوري وحكم الاستبداد عقب ثورة 25 يناير، كما أن المجتمع المصري يتمتع بقدر عالٍ من الوعي الديني والمعرفة الحضارية بالواقع المعاصر وإشكالات التخلف الحضاري لدى الأمة في ظل تنوع التيارات الفكرية.
أضف إلى ذلك أن الجماعة تملك اليوم قاعدة شعبية وسمعة اجتماعية في الحياة المصرية، ما يعني أن فكرة انتشار الجماعة تحققت.
أما الاعتبارات الوطنية التي تستوجب (حل جماعة الإخوان المسلمين)، فأهمها أن الجماعة لم تعد ملاحقة أمنياً أو سياسياً كما في السابق، ولم يعد أتباعها في السجون والمعتقلات، إنما غدوا يعقدون المؤتمرات ويعتلون المنصات بعد أن صار لهم حزب سياسي مشارك بقوة في الحياة السياسية، وبذلك تكون خريطة الأحزاب واضحة من حيث منطلقاتها وشعاراتها وأهدافها وأعضائها.
فإذا كان الإخوان المسلمين يرون أنهم حزب مدني بمرجعية إسلامية فإن رؤيتهم الدينية حول علاقة الدين بالسياسة متحققة فعلياً في حزبهم (الحرية والعدالة)، ما يلغي الحاجة للجماعة ككيان مواز للحزب.
كما أن حل الجماعة يمنع ازدواجية المواقف الوطنية بين (الإخوان المسلمين) كجماعة دينية وبين (الحرية والعدالة) كحزب سياسي، فضلاً عن أن حلهاّ يوقف تأثيرها غير المباشر على القرار السياسي المصري، ويطمئن في الوقت ذاته التيارات والأحزاب المنافسة، التي لازالت تشعر أن الرئيس المصري يعمل في ظل المرشد الإخواني، ناهيك عن قلق الإنسان البسيط في الشارع المصري.
في المقابل قد يرى البعض أن حلّ الجماعة ليس منطقياً لأن حزبها أو ذراعها السياسي (الحرية والعدالة) لن يبقى في الحكم إلى الأبد، أو يرى أن الحل ليس موضوعياً لأن طبيعة عمل الجماعة ليس سياسياً بالدرجة الأولى، بل قد يرى البعض الآخر أن حلها مرفوض لأنه يعني الرضوخ لإملاءات تيارات علمانية وثورية وحكومات غربية كارهة أو معادية للإخوان، وعليه فإن تعذر الحل أو وجود معارضة قوية، فهناك (الخيار الوسط) بين الحل وعدمه ويتمثل بتحول الجماعة إلى جمعية شعبية أو حركة وطنية ينحصر اهتمامها بالنشاط الدعوي والحراك الاجتماعي والعمل الخيري بعيداً عن السياسة وقواعدها وربما ألاعيبها، بحيث تكون مهمة حزب الحرية والعدالة. لأن بقاء جماعة (الإخوان المسلمين) واستمرار عملها يُشكل خطراً إستراتيجياً على نجاح العمل الإسلامي وتجربة الإسلاميين في السلطة، لهذا يغلب ظني أن التيارات الإسلامية الأخرى لا تحبذ بقاء الجماعة.
لأن قواعد اللعبة السياسية على الساحة المصرية تغيرت تماماً عقب ثورة 25 يناير، سواءً على مستوى السلطات الثلاث، أو مؤسسات الدولة، أو القضاء والإعلام، أو الشارع المصري بكل أطيافه.
moh.alkanaan555@gmail.comتويتر @moh_alkanaan