بعد أن فشلت السياسة في أن تجمع العرب وتنظم علاقاتهم ببعض، وأن تتطور لتنعكس على اقتصادات الدول، ومن ثم على حياة المواطن البسيط ورفاهيته، هل يمكن أن يفعل الاقتصاد ما لم تفعله السياسة؟ هذا السؤال هو ما أثبتته كثير من التجارب الأجنبية، خاصة مع الدول الأوروبية، ومع السوق الأوروبية المشتركة.
ماذا يريد العرب من قمة الرياض، وبمعنى آخر ماذا يريد المواطن العربي من الخليج إلى المحيط؟ هل يهم هذا المواطن التبادل التجاري البيني، أو تحرير السلع والتجارة، أو الاتحاد الجمركي؟ كل هذه المصطلحات والأرقام لا تعني الموطن العربي بأي شكل من الأشكال، فماذا يعني تدني مستوى التجارة العربية البينية إلى حدود 10 % مثلاً؟ لا شيء، فما يهم عامل المصنع هو تحسن مستواه المعيشي، ومستوى عائلته، وما يهم العاطل عن العمل هو أن يعثر على عمل شريف يحفظ حياته وكرامته.
فليس مهماً لهذا المواطن أن يبحث عن ماهية المعوقات البيروقراطية والتعقيدات الجمركية والضريبية التي تغرق بها بعض الدول العربية، والتي بالفعل أصبحت عائقاً راسخاً أمام جذب الاستثمارات العربية والأجبنية لهذه البلدان. لكن المواطن الباحث عن عمل، سيجد ضالته حينما تشجع هذه الدول الاستثمارات الأجنبية فيها، وتزدهر الشركات وقطاع الأعمال فيها، وتكثر الفرص الوظيفية للمواطنين.
ولعل من بين ما يلفت النظر في قمة الرياض التي ازدادت شوارعها برايات هذه الدول، هي تلك الشعارات التي تشير إلى المواطن العربي واحتياجاته من وجهة نظر تنموية، وهي تحمل هؤلاء القادة مسؤولية هذا الإنسان البسيط، إذا سيلمح الخارج من القاعدة الجوية، وحول الدوار المزين بالخضرة، لافتات تقول بأن هذا المواطن هو أمانة في أعناقكم.
فعلى مستوى السلع المتنقلة بين هذه البلدان تعاني معظم هذه الدول من منع عدد من السلع من الدخول إليها بحجة حماية السلع الوطنية فيها، وفي ذلك إضرار مباشر بحق المواطن في العيش داخل سوق حرة، لأن دخول هذه السلع المنافسة يحفز السلعة الوطنية على التطور من جهة، وإعادة النظر في سعرها من جهة أخرى، لأن أكثر ما يضر الأسواق هو احتكار الإنتاج، وعدم فتح باب المنافسة بين الجميع.
ومن بين أسوأ ما تعانيه الدول العربية هو طلب الاستثناء لبعض السلع في منع دخولها لسوق هذا البلد أو ذاك، حتى أصبحت معظم الدول مستثناة، وتحولت الأسواق في هذه الدول إلى أسواق مغلقة.
كثيراً ما كتبت في هذه الزاوية عن ضرورة حل كل العوائق التي تساهم في تعطيل خلق سوق عربية مشتركة، لأن الجانب الاقتصادي هو ما سيخلق علاقات قوية بين هذه البلدان، وهو ما سيعزز علاقاتها السياسية ببعض، ولتكن الرياض مدينة الاقتصاد الأولى عربياً، والقادرة على إشعال الضوء الأخضر بين حدود هذه الدول.