من أبرز الضمانات الأمنية الرشيدة للمجتمع المسلم، وأهم الوسائل الكفيلة بترسيخ أمنه، والمحافظة عليه، طاعة ولاة الأمر، فهي أصل مهم، وقاعدة كبرى، ومنهج واضح، وأساس قوي لتحقيق الأمن الاجتماعي، واستقرار البلاد، واطمئنان الرعية. والمتأمل للنصوص الشرعية، يجد أنها متواترة وقطعية الدلالة في التأكيد على وجوب طاعة ولي الأمر، وتحريم عصيانه أو الخروج عليه، ففي الطاعة اجتماع لكلمة المسلمين، وفي العصيان فساد للأحوال في الدارين، وما نزعت يد من طاعة إلا وصافحها الشيطان، وعرضها لفتن عمياء ونزاعات وأهواء واضطرابات هوجاء والعاقل يدرك خطورة عصيان ولاة الأمر وما يجلبه من شرور عظمى، وأخطار ومفاسد كبرى، ويعلم ما في الطاعة من الخير والهدى، وتحقيق السعادة، واستتباب الأمن، وترابط المجتمع وتماسكه، ونصرة المظلوم، ودحر الباطل والجور، والعناية بمصالح العباد والبلاد، وحماية الحياة الاجتماعية من الفوضى والاضطراب والأخذ على أيدي السفهاء والعابثين وردع البغاة والمجرمين.
إن طاعة ولي الأمر واحترام شخصيته وهيبته، مما هو واجب على الرعاية لما في مخالفة ذلك من نشر المفاسد، وإثارة الفتن والقلاقل مما لا يمكن رده ولا دفعه، فذوو العقول السليمة والفطر المستقيمة يدركون أهمية الطاعة، ويقدرون العواقب، طريقهم طريق الحق والهدى، ويلتقون على الخير والرشاد والتقوى، وينأون بأنفسهم عن مواطن الشر والأذى ويحذرون من مزالق الرذيلة والهوى، وطريق المؤمنين حفظ ألسنتهم، والاحتكام إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم، كما أمرهم الخالق جل وعز بذلك، في قوله تعالى {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}.
أي ردوا الحكم في ذلك إلى الكتاب والسنة، لأن الحكماء يدعون إلى الخير، وينشرون الفضيلة، ويحضون على الاجتماع والوفاق ويحذرون من التنازع والافتراق.
إن طرق موضوع وجوب طاعة ولاة الأمر، من أهم ما يجب أن يذكر به الخطيب المصلين بين الحين والآخر وأن يؤكد عليهم الالتزام بالطاعة وأن التفاف الأمة حول قيادتها دليل وحدتها، وطريق فلاحها، وسبيل رقيها ونهضتها ونجاحها، ومصدر عزتها ومنعتها ومعاونة ولاة الأمر في أداء مهمتهم.
إن الالتزام بطاعة ولاة الأمر سبيل لنصرة الحق وإقامة العدل، ورفع الظلم وردع الظالم وطريق لاستقرار المجتمع وأمنه وحفظ لنفوس أفراده، وصيانة لأموالهم وأعراضهم ورعاية لمقدسات المسلمين، وتوفير لوسائل الطمأنينة والأمان.
وذلك من أهم وسائل تعميق الأمن في النفوس وترسيخه في المجتمع، إن الإسلام يؤكد على مبدأ القوة والترابط بين أفراد المجتمع، وتحقيق معاني الأخوة الإيمانية قال تعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا} وعندها يشعر الجميع بوحدة الأمة وترابط مصالحها، وتلك ركيزة عظمى في توفير الأمن للمجتمع، إذ يدرك كل فرد مسؤوليته ويقوم بواجبه فتسهر الجماعة على راحة الفرد، ويقوم الفرد بخدمة الجماعة فيتكاتف الجميع.
وإمام وخطيب الجامع عليه أن يعني بترسيخ معنى الوحدة في نفوس المصلين، وتعميق أواصر المحبة بينهم، ويذكرهم بأن الإسلام اعتمد الأخوة دعامة لوحدة المجتمع وركيزة للترابط بين أفراده فلا يسمح الإسلام بقيام أحزاب أو تجمعات من شأنها تمزيق وحدة المجتمع، وتبديد قوته وتفريق كلمته أو بروز خلافات ينتج عنها التناحر أو تسفر عن القطيعة ويزعزع أمن المجتمع ويؤدي إلى قلقة واضطرابه واحة الأمن الفكري: إن محاولة إثارة الفتنة وتأليب الرأي العام على الدولة لا يدل على فلاح وتقيء بل أبعد ما يكون عن الصلاح.
hdla.m@hotmail.comباحث في الشؤون الأمنيّة والقضايا الفكريّة ومكافحة الإرهاب