إن الوقت في تاريخ الأمم والشعوب يعتبر عنصرا أساسيا في النهوض والتقدم في حال استخدم بشكل مناسب ، وخصوصا» عقب انتهاء الحروب ونشير إلى الحرب العالمية الأولى والثانية ، فهناك دول» لم تشترك في تلك الحربين ونهوضها وتقدمها كان بطيئا» وغير مجديا» ودول» أخرى اشتركت وتهدمت مدنها بشكل كامل وقد نهضت وتقدمت في زمن قياسي ، لأنها استغلت الوقت بشكل صحيح وبتخطيط سليم وبعزيمة لا تعرف التراجع. وكذلك في حياة الأفراد ، فإن الوقت مهم وعامل أساسي في تقدمهم أو تخلفهم ، حيث إن الفرد العاقل يستثمر الوقت المتاح لإنجاز عمل ما مستخدما» قدراته ورجاحة عقله وعندما يرغب الإسراع في التنفيذ ، فإن تعجله واضحا» في استمراره بالقيام بالعمل بوتيرة متصلة ، والإسراع في إنجاز المهمة لديه ، يعني الاستمرارية والتأني ، وإنجاز الجزء من العمل بشكل متقن قبل المباشرة في الجزء الذي يليه، وفي بعض الأحيان يكون متسرعا» ، ولكنه يوظف ما عنده من فطنة ونباهة ، كي ينفذ ما هو بصدده بكفاءة عالية ومستغلا» الوقت بشكل مدروس.
أما العقول الصغيرة تملي على أصحابها السرعة والتسرع ، لأنها ترى في أي عمل مطلوب إنجازه مهمة شاقة وكبيرة ، لذا نجد صاحب العقل الصغير يهرول مسرعا» وقد هاله حجم المهمة وضخامة العمل، وتراه راكضا» متلفتا» حوله مثل الأرنب البري حائرا» مشوشا» وقد ألتبس عليه الأمر ، في هذه الحال يزين له عقله أن ينجز كل شيء في آن واحد وبهذا لا ينجز شيئا» ولكنه أدى استعراضا» فارغا» من المضمون وبالتالي ضيع الوقت في الصوت العالي ، وينطبق عليه ( أسمع جعجعة ولا أرى طحنا» ).
إننا ندرك أن الفرد قد يواجه برنامجا» يوميا» حافلا» بالمتطلبات والمشاق ، لكن عليه أن يفضل إنجاز نصف ما هو مطلوب منه بإتقان وكفاءة عالية، على إنهاء كل متطلبات يومه بسرعة وتسرع وبسلسلة من الأخطاء الفاضحة الفادحة ، ونبين صدق ذلك عند تطبيقه على الكتابة ، فإن الذي يكتب بلهفة وبتسرع قد يوفر بضع دقائق من الوقت مقارنة بمن يسجل أفكاره بتأن وتؤدة ، ولكن وفي المحصلة توفيره غير مجز ومقايضة خاسرة ، وكان عليه قبل الاستعجال في الكتابة ، التفكير في السخرية التي سيثيرها بسبب تسرعه وخطوطه المتعثرة وأفكاره المبعثرة ، ثم هل تستأهل تلك الدقائق التي وفرها كل هذه السخرية، وفي النهاية نقول إن استثمار الوقت ، يكون في العمل الجاد المتأني لنحصد ثمرا» وليس في العمل المتسرع لنرتكب الأخطاء ، ويصبح الوقت وقتين.