مذهب أهل السنة والجماعة -السلف الصالح- تحريم الخروج على من تولى أمر الأمة فيها، وهو محل إجماع العلماء والفقهاء من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من السلف الصالح مصداقاً لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} النساء (59). ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من خرج عن الطاعة، وفارق الجماعة فمات، مات ميتة الجاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو الى عصبة، أو ينصر عصبة، فقُتِل فقتلةٌ جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني، ولست منه» أخرجه مسلم، ويرجع تحريم الخروج على ولاة الأمر لما يحصل من الخروج من مفاسد عظيمة من إشاعة الفوضى، وسفك الدماء، وفساد العباد والبلاد ولذلك منع النبي صلى الله عليه وسلم منابذة الولاء والخروج عليهم إلا بحصول أمور بينها صلى الله عليه وسلم بقوله:» إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان» رواه البخاري ومسلم، فأفاد قوله صلى الله عليه وسلم: «إلا أن تروا «أي أنه لا يكفي مجرد الظن والإشاعة. وأفاد قوله صلى الله عليه وسلم: «كفراً» أي أنه لا يكفي الفسوق ولو كبر كالظلم، والاستئثار المحرم، وأفاد قوله صلى الله عليه وسلم: « بواحاً» أي أنه لا يكفي الكفر الذي ليس ببواح أي صريح ظاهر، وأفاد قوله صلى الله عليه وسلم: «عندكم فيه من الله برهان» أي أنه لا بد من دليل صريح، بحيث يكون صحيح الثبوت، صريح الدلالة، فلا يكفي الدليل ضعيف السند ولا غامض الدلالة، وأفاد قوله صلى الله عليه وسلم: «من الله» أي أنه لا عبرة بقول أحد من العلماء مهما بلغت منزلته من العلم والأمانة إذا لم يكن لقوله دليل صريح صحيح من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه القيود تدل على خطورة وتحريم الخروج على ولي أمر المسلمين «فتوى للشيخ صالح الفوزان».
وهناك أفعال كثيرة تدخل ضمن مسمى الخروج على ولي الأمر منها:
أولاً: المنشورات: التي تنتشر بين الكثير من الشباب وتتضمن جواز قتل رجال الأمن ورجالات الدولة وغيرها من الموضوعات المناوئة لولاة الأمر، وقد أجاب عدد من علماء المملكة منهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ وفضيلة الشيخ صالح الفوزان -حفظهما الله- عن حكم هذه المنشورات ومن يقول بها أو يروجها أن الحكم الشرعي أن هذا هو مذهب الخوارج، فالخوارج قتلوا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أفضل الصحابة بعد أبي بكر وعمر وعثمان، فالذي قتل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ألا يقتل رجال الأمن؟ هذا هو مذهب الخوارج، الذي أفتاهم يكون مثلهم ومنهم.
قلت: ويدخل في ذلك الدعوات والرسائل والتغريدات التي يبثها البعض في وسائل الاتصالات الحديثة في «تويتر» والفيسبوك وغيرهما والتي تدعو إلى مناوأة ولاة الأمر.
ثانياً: مذكرات النصيحة: التي ترفع لخادم الحرمين الشريفين من عدد من المدرسين وبعض المنتسبين للعلم وما تشتمل عليه من بنود ادعى معدوها أن واقع البلاد على ما وصفوه واقترحوا ما سموه الإصلاح لها في مذكراتهم وقد أصدرت هيئة كبار العلماء بيانها المتضمن أن مجلس هيئة كبار العلماء بعد تأمل مذكرة النصيحة المذكورة ومناقشتها رأى المجلس في دورته التاسعة والثلاثين المنعقدة بمدينة الطائف في شهر ربيع الأول عام 1413 هـ استنكاره لما اشتملت عليه هذه المذكرة من الباطل وما هو خلاف الواقع وطريقة إعدادها ونشرها وأن معدوا هذه المذكرة عملوا على ترويج أسباب الفرقة وزرع الضغائن واختلاق المثالب أو تجسيمها مع التغاضي الكامل عن كل محاسن الدولة.. وأن هذا العمل مخالف لمنهج النصيحة الشرعية...إلخ». ويقاس عليها المذكرات التالية لها حتى هذا اليوم.
ثالثاً: إنشاء اللجان بأي مسمى دون إذن ولي أمر المسلمين: وقد أجاب عدد من علماء الأمة منهم الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- بأنه لا يجوز لأحد من الرعية أن ينشئ لجاناً أو مشاريع تتولى شيئاً من أمور الأمة إلا بإذن ولي الأمر لأن هذا يعتبر خروجاً عن طاعته وافتئاتاً عليه واعتداء على صلاحياته ويترتب على ذلك الفوضى وضياع المسؤولية.
رابعاً: المظاهرات والاعتصامات: وقد أجاب سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- عن المظاهرات ضد الحكام والولاة فقال -رحمه الله-: « إنها من أسباب الفتن ومن أسباب الشرور ولكن الأسباب الشرعية الدعوة إلى الخير بالطرق السليمة التي سلكها أهل العلم وسلكها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم..» وقال - رحمه لله - الأسلوب السيئ العنيف من أخطر الوسائل في رد الحق وعدم قبوله أو إثارة القلاقل ويلحق بهذا الباب ما يفعله بعض الناس من المظاهرات التي تسبب شراً عظيماً على الدعاة، فالمسيرات في الشوارع والهتافات ليست هي الطريق الصحيح للإصلاح والدعوة فالطريق الصحيح بالزيارات والمكاتبات بالتي هي أحسن، وقال الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- عن المظاهرات ضد الحكام: « لا نؤيد المظاهرات أو الاعتصامات أو ما أشبه ذلك لا نؤيدها إطلاقاً، ويمكن الإصلاح بدونها لكن لا بد أن هناك أصابع خفية داخلية أو خارجية تحاول بث مثل هذه الأمور»، وقال الشيخ / صالح الفوزان -حفظه الله-: «ديننا ليس دين فوضى ديننا دين انضباط ودين نظام وهدوء وسكينة والمظاهرات ليست من أعمال المسلمين وما كان المسلمون يعرفونها... والمظاهرات تحدث سفك دماء وتحدث تخريب أموال فلا تجوز هذه الأمور». ولزوم الجماعة واجب شرعي على كل مسلم ومفهومه هو» لزوم الجماعة في طاعة من اجتمعوا على تأميره فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة»، وذكر الإمام الشاطبي؛ في كتابه الاعتصام عن الإمام ابن جرير الطبري أنه قال: «الجماعة»: «جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير»، قال: «فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزومه، ونهى عن فراقه، فيما اجتمعوا عليه من تقديمه عليهم لأن فراقهم لا يعدو إحدى حالتين: إما للنكير عليهم في طاعة أميرهم، والطعن عليه في سيرته المرضية لغير موجب، بل بالتأويل في إحداث بدعة في الدين، كالحرورية التي أمرت الأمة بقتالها، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم مارقة من الدين. وإما لطلب إمارة بعد انعقاد البيعة لأمير الجماعة فمن نكث عهداً ونقض عهداً بعد وجوبه فهو خارج عن الجماعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من جاء أمتي ليفرق جماعتهم فاضربوا عنقه كائناً من كان» وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما»، وقال صلى الله عليه وسلم: «من أتاكم وأمركم جميعاً على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه»، وفي رواية أخرى، قال رسول اللصلى الله عليه وسلم: «إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان « وفي رواية: «فاقتلوه». ويُذْكر موقفاً لعبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- يؤكد معنى الجماعة المراد شرعاً، ما رواه الإمام مسلم عن نافع قال: جاء عبدالله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي القرشي حين كان من أمر الحرة ما كان، زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبدالرحمن وسادة، فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثاً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خلع يداً من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية» ومما سبق يتضح أن المراد الشرعي للجماعة في كل وقت وزمان: «هم جماعة من المسلمين موثوق بديانتهم، تم اجتماعهم على تأمير إمام موافق للكتاب والسنة، وعقدوا له البيعة على ذلك، ولم يسبقوا بجماعة أخرى، فعقدهم صحيح، ولو لم يجتمع عليه الجمع، وليس لغيرهم أن يحل ذلك العقد، حيث لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بسمع وطاعة، وهذه الثلاثة متلازمة، آخذٌ بعضها ببعض، لا قيام للإسلام إلا بهذه الثلاثة».
dr-a-shagha@hotmail.com- عضو هيئة التدريس بكلية المجتمع ببريدة -جامعة القصيم