قلت إن «نا» هذه ضمير مدهش ومتعب, لأنها تحوّل أي تعبير تضاف إليه إلى مسألة خلافية قد يجرنا إليها اختلاف قراءة التفضيلات المرتبطة بها: فحين «نا» تعني نحن سكان الدولة الفلانية فهي بالتأكيد لا تتطابق في تداعياتها مع «نا» بمعنى نحن البشر سكان العالم. وحين «نا» تعني نحن المسلمين فهي لا تتطابق مع «نا» بمعنى نحن العرب المنضوين تحت شعارات قومية؛ مثلما «نا» بمعنى نحن «الغربيين» في غرب أوروبا قد تتضارب تماما مع «نا» «الأوروبيين» في وسطها.
وعلى الرغم من هذا فقد ظلت «نا» سيدة الضمائر والكلمات فهي تعطي زخما وثقلا وحجما لمن يستخدمها وحماية له من تهمة الأنانية التي قد تختفي تحت راية «نا». في ذات الوقت الذي تسمح له بتعميمات جارفة, وتتسامح معه في إقصاء الآخرين ورفض تفضيلاتهم وتحقير مرئياتهم، أو بالعكس تحقير الذات وجلدها وتعظيم الآخرين وتفضيلهم.
«نا» الضمير المتصل الذي يشير في حقيقته إلى إعلان الانفصال عن غير»نا», يعني شيئا مختلفا لكل قارئ أو كاتب أو متكلم أو خطيب أو حتى مغرد في تويتر. «نا» سلاح ذو حدين يعاني من صدأ «الذاتية» الخفي. وهو أداة مشاغبة تجعل من الحوار دوارا ناتجا عن عدم التدقيق في التعبير أو فهم المحتوى والقصد منه؛ بل قد تحيله «خوارا» لا يخدم سوى التنفيس عن حالة صاحبه في «جوار» يرفض كل موجود فيه الاعتراف بمن يختلف عنه في جانب ما.
من هنا أجدني مضطرة أن أذكّر محاوري أحيانا - حين ينتفش إلى صيغة «جمع الجموع الأفضل من كل الآخرين والمفحم لكل رأي غير رأيه الذي يتحيز له بإقصائية واضحة» - أن يترك الاتكاء على هذا التعميم غير الدقيق, ويتكلم بحقائق أرض الواقع, حيث كل ما يقول أو يعبر عنه فرد ما هو تعبير فردي عن مرئياته التي جاءت من تجربته وأسلوب تفكيره ورؤيته للواقع وتحليله للأمور. من هنا فأحوالنا وتطلعاتنا وتوقعاتنا ليست إلا تكهنات مبنية على مرئيات وأحلام أو تحيزات أفراد يظن كل منهم أنه يعبر عن مرئيات الجميع حين يضعها في إطار «نا» الفخمة الجامعة.
أما بالنسبة للوقوف على مشارف مرحلة زمنية جديدة ابتدأت ومر منها شهر من عام جديد فليس هناك خلاف. ينتهي عام ميلادي بمرور 365 يوماً من بدئه ويدخل الجميع عاماً جديداً.
وخلال الأيام الماضية التي رسم فيها بيان رسمي تفاصيل مجلس الشورى الجديد في دورته الجديدة.. سمعت الكثير من ردود الفعل بصيغة «نا» الجامعة. «نا» السعيدة المهنئة والمتفائلة, و»نا» الرافضة لسبب أو لآخر؛ وما أكثر الأسباب التي يستند إليها الرافضون. ينسى الرافضون أنه مجلس مكون من 150 فرداً من الجنسين اختيروا بمنتهى العناية ليمثلوا كل التوجهات والآراء ووجهات النظر الموجودة والمتعددة مجتمعيا وفكريا واقتصاديا على امتداد مناطق الوطن. وينسى من ينادي «هو مجلس لا يمثلني لأنه غير منتخب» أنه لو كان مجلسا منتخبا لربما جاء أيضا بمن «لا يمثله». ولهم جميعا تقديري واحترامي كفرد من أفراد الشعب الذي سأمثل كل فئاته ضمن مجلس واعد, متساوية مع غيري من الزميلات والزملاء الكرام في أهمية تأهيلي والثقة التي عهدت إليّ بحمل مسؤولية إبداء الرأي وإن تعددت مرئيات «نا» كأفراد.
هنا تصبح «نا» مجلس الشورى هي فعلاً «نا» التي نأمل حين يتحاور الأفراد تحت مظلتها أن يأتي نتاج الحوار والقرار ممثلاً لالتقاء كل الرؤى حول ما يمكن أن يكون مرضياً لبعض توقعات كل الفئات ورغباتها.
فعلى الله توكلنا -قائدنا ومجلسنا- .. ومنه سبحانه الهدي والتوفيق.