من أخطر اللحظات أن تُطلع الحلاق على (عُجَرِك وَبُجَرِك)، بمعنى أن تخبره بأسرارك ما ظهر منها وما بطن؟!
المشكلة ليست في الحلاق كاتم (أسرار المشاهير) كما يقال وفاضحهم في الوقت ذاته، بل المصيبة فيمن سيجلس على (كرسي الحلاقة) بعد ذلك، ليتلصص على قصص وأخبار المجتمع من (الفضوليين) والظرفاء، القضية تكمن في حب سماع الأخبار والقصص التي تعكس حال المجتمع، حتى لو لم تُذكر الأسماء والألقاب؟!
المسألة على ما يبدو (نفسية) لدى بعض الزبائن (الثرثارين) الذين يجد فيهم الحلاق ضالته، فهم يؤنسون وحدته ويدفعون (إكرامية) جيدة، مقابل المعلومات والقصص التي حصلوا عليها!
بعض الحلاقين (أذكياء)، يبدأ في رواية القصص حول مشاهداته اليومية للشباب ومشكلاتهم وآخر صرعات المواعيد الغرامية حتى يسيل لعاب (الزبون)، ثم يبدأ بعد ذلك في اقتراح خدمات (ترميم وردم) آثار عوامل التعرية، لترسي عليه المناقصة من أجل (طلة أفضل) لبعض الوجوه التي تعاني في الأصل ترهلاً أو حفراً لا يمكن إخفاؤها، على طريقة يا حلاق اعمل غرة!
ما يدفعه الزبون في الحقيقة ليس ثمناً للحلاقة، بقدر ما هو ثمن (الراحة النفسية) بعد تلك المساحيق والكريمات التي تم (تلطيخ) وجهه بها لإخفاء العيوب، مع سرد القصص التي قد يكون بعضها خيالياً يتماشى مع (ثقافة وفكر) العميل!
قديماً كان نفر من العرب يرون في الحلاق (حكيماً)، يحلق الذقن بالموس، ويخلع الضرس بالزرادية أو الكماشة، ويعالج المكسور بالجبيرة، ويقوم بالحجامة بالمشرط، كان الحلاق حينها يقدر لأنه الأكثر فهماً وقرباً لمعرفة الأمراض ولديه يفضفض كل صاحب عُجَر وَبُجَر!.
الحلاقة ليست من (المهن الصامتة)، فمحترفها ينافس في (ثرثرته) النساء، ومذيعي نشرات الأخبار، وأعضاء المجالس النيابية في الدول الديمقراطية التي يكثر فيها الصراخ!
أكثر شعب استفاد من ثرثرة (الحلاقين) هم اليابانيون، حيث يسهم الحلاق في ثني (المنتحر) والتخفيف من مشكلاته النفسية وضغوط الحياة، حتى يعدل عن الانتحار بفضل دورات مكثفة خاضوها مع أطباء نفسانيين!
وأظن أننا من أكثر الشعوب خسارة من (ثرثرة الحلاقين)! عند زيارة صالون الحلاقة تأكد أن ما ستدفعه هو قيمة الحلاقة لنقول لك (نعيماً)، وليس ثمن (العنوان أعلاه) حتى لا نتعرف عليك..!
وعلى دروب الخير نلتقي.
fahd.jleid@mbc.netfj.sa@hotmail.com