لا مفرّ من الاعتراف أنّ أغلب الكتّاب في المملكة والخليج - وكاتب هذه الأسطر واحد من هؤلاء بالمناسبة - كانوا منذ أن اشتعلت الثورة السورية وهم يختلفون على شيء واحد (متى سيسقط النظام؟)؛ أما السقوط فكنا نظنه حتمياً وسريعاً؛ غير أنّ النظام كان أقوى مما كنا نظن؛ فقدرته على المقاومة، وتعامله مع المتناقضات الإقليمية والعالمية بمهارة، إضافة إلى القسوة المفرطة في السّحق التي تعامل بها مع الثوار إلى درجة تقشعرّ منها الأبدان، جعلته على ما يبدو يصمد ويظل قائماً أكثر من بقية الأنظمة العربية الأخرى التي عصفت بها عواصف التغيير فرمت بها خارج السلطة.
هل معنى ذلك أنّ بشار سيبقى على الأقل حتى تكتمل ولايته المحددة في الدستور الجديد كما يُصر؟
بصراحة لا أعتقد أنّ أحداً يملك الإجابة على هذا السؤال؛ فالنظام مازال متماسكاً، وجيشه بمختلف قطاعاته مازال يحارب منذ ما يقارب السنتين ولم يكل ولم يُنهكه القتال، رغم أنّ حربه مع الثوار حرب عصابات لا حرباً نظامية، ومن شأن حروب العصابات أن تُنهك أعتى الجيوش وأقواها. وانشقاقات الجيش بقيت منذ أن بدأت على مستوى الأفراد، وليس على مستوى الفرق والتشكيلات التنظيمية. وانشقاقات قياداته السياسية، وبالذات الدبلوماسية منها، لا تكاد تُذكر إذا قارنّاها بالانشقاقات التي واكبت الثورات العربية الأخرى، خاصة في ليبيا والعراق، وهما النظامان الأكثر شبهاً بنظام الأسد.
الملك عبد الله الثاني ملك الأردن والذي تهمه الحرب وسوريا لارتباطها بأوضاع الأردن الداخلية، قال في لقاء له مع محطة السي إن إن الأمريكية: (إنّ النظام قد يواصل معركة البقاء بقوة، على الأقل، خلال النصف الأول من العام 2013)، واصفاً أية محاولة لتقسيم سورية إلى دويلات صغيرة، بمثابة (الكارثة) على المنطقة.
كما أنّ وزير خارجية فرنسا لورانس فابيوس يرى أنّ (آخر المعلومات المتوفرة لديه تبيّن أنّ الأمور لا تتحرك، وأنه لا تتوافر مؤشرات حديثة إيجابية تبيّن أنّ الحل الذي نأمله أي سقوط نظام بشار الأسد ووصول تحالف المعارضة السورية إلى السلطة أصبح وشيكاً). وما يزيد من تشاؤم فابيوس - حسب جريدة «الشرق الأوسط» - أنّ الملف السوري (تراجع إلى الصف الثاني بسبب التطوُّرات وقيام أزمات جديدة فيما يسقط كل يوم ضحايا، وترتفع أعداد اللاجئين وتستمر الفظاعات) وأنّ الاتصالات الدولية (لا تتقدم هي الأخرى).
التغيّر الوحيد الذي ربما يُشير إلى شيء ما هو الموقف الروسي.. الروس بدؤوا بالفعل في ترحيل عدد كبير من رعاياهم من دمشق عن طريق بيروت، كما أنّ هناك بواخر تابعة للقوات الروسية تجوب مياه البحر الأبيض المتوسط على مقربة من ميناء طرطوس، حيث يتزوّد الأسطول الروسي بالوقود، مُستعدة في أي لحظة لإجلاء رعاياهم في هذه الميناء إذا تفاقمت الأوضاع أكثر. كذلك رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف قال في لقاء تلفزيوني له عند زيارته لأمريكا: (أيام الأسد في سدّة الرئاسة تتضاءل يوماً بعد يوم) وأضاف: (أنه ارتكب خطأ فادحاً قد يكون قاضياً). كما أكد وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف في تصريح تناقلته وسائل الإعلام، وعبّر فيه عن خيبة أمل روسيا في النظام السوري قائلاً: (روسيا لم تُبد يوماً من الأيام إعجابها بالنظام السوري) .
أي أنّ الأسد لم يبق معه فعلياً الآن سوى إيران، وكذلك حكومة المالكي في العراق، إضافة طبعاً إلى حزب الله في لبنان.
ومرة أخرى هل سيبقى نظام الأسد ويقاوم ويستعصي على السقوط فيما لو انسحبت روسيا عن مساندته وحمايته في مجلس الأمن؟.. وإذا كان سيسقط: متى؟
هذا لا يستطيع أحدٌ الجزم به بعد أن صمد طوال هذه المدة. النقطة الوحيدة التي لا خلاف عليها أنه فقد فعلاً شرعيته بشكل شبه كامل، غير أنّ فقدانه للشرعية لا يعني السقوط الآني.
إلى اللقاء.