|
يدور جدل هنا وهناك وتبقى فحواه حول قشور أبعد ما تكون عن لباب الغاية الهادفة التي تتواءم مع أسس المنطق الموضوعي الجاد المحايد بعيداً عن لوي عنق الحقيقة والانتقائية في استشهادات يزعم صاحبها أنها تقوي موقفه في الطرح -بينما واقع الحال- يشهد عليه بأنه مجانب الحقيقة، وبعيداً عن -حسنة السمعة براقش وما تجنيه على نفسها بين الحين والآخر في هذا الشأن- أدلف وبدون مقدمات لأمر طال السكوت عنه حتى تكلّست طبقات الصبر، بعد أن تحامل على -الشعر الشعبي- من لا يفقه في لغة النقد وجمالياته الآسرة في لآلئ الشعر الشعبي - إلا ذريعة -اللهجة- كحجة واهية لا يسأم من ترديدها عشية وضحاها وغاب عنه أن اللهجة الشعبية معول بناء لا هدم وموصِّل قوي للرسالة الهادفة في الحياة - شريطة تميز وتمكّن ورقي هدف ورسالة من يوظفها بمثالية كما ينبغي - كوسيلة لغاية نبيلة، فالتميز لا يتوقف على اللغة (فصيحها وشعبيها) بل على (تميّز وتمكّن من يوظّف هذه اللغة بشقيها الفصيح والشعبي) فإذا افتقد للتميّز والتمكّن لن يشفع له أي شق من شقي اللغة العربية المشار إليهما، (وهذا الأمر لا يتوقف على الشعر فحسب بل في كل مجالات الحياة). حيث إن اللغة هي العامل المشترك في الحراك المتنوع بكل شموليته، فعلى سبيل المثال لم تقف اللغة الفصحى حائلاً دون أن يصل الدكتور غازي القصيبي إلى كل ذائقة طبقات المجتمع الثقافية بتدرجات -سقفها المعرفي- رغم أنه يكتب بالفصيح لا الشعبي، وفي المقابل لم تقف اللهجة حائلاًَ دون أن يصل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن إلى كل ذائقة طبقات المجتمع الثقافية بتدرجات -سقفها المعرفي- رغم أنه يكتب بالشعبي لا الفصيح (لأن العامل المشترك بين تجربة الدكتور غازي القصيبي رحمه الله والأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن هو التميّز) وهو المعيار الفيصلي الحاسم للوصول للناس وليس اللغة التي وإن ساهمت في التصنيف والتنظير بما -لكل جزئيها بما عليهما أو لهما- إلا أنها ليست مشجبا أو شمّاعة تبرير كقالب لغوي يراد إقحامه فيما لا شأن له به بين الفينة والأخرى، فالمتميز والمتمكن هو من يصل إلى الآخرين بكل تدرّج سقف ثقافاتهم وهذا الأمر كما أسلفت لا يتوقف على الشعر فعلى سبيل المثال فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد المطلق وهو أستاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاءي السعودية، برغم تمكنه من اللغة العربية بشقيها -الفصيح والشعبي- إلا أن أسلوبه المعروف والقريب من القلوب بلهجته الشعبية جعل له هذا الكم الكبير من متابعيه ومحبيه لسبب رئيسي أنه متمكن ومتميز ولم تقف اللغة بشقيها حائلاً دون أن يوصل رسالته -جزاه الله خيراً- إلى الجميع، كذلك على سبيل -المثال لا الحصر- الإعلامي القدير الأستاذ داوود الشريان بمهنيته العالية وتمكنه من رسالته كما ينبغي لم تقف اللهجة الشعبية البسيطة التي يقدِّم بها حلقات برنامجه الشهير حائلاً بينه وبين الناس بل أجزم بأنها سبب رئيسي من أسباب حب الناس لأسلوبه المتميز إن لم أقل المتفرد.
- محمد بن عبدالعزيز الراشد