تعتبر البرامج التعليمية أحد العناصر الرئيسية للعملية التربوية، ينبغي تحديثها باستمرار وتطويرها لتساعد في تحقيق جودة التعليم من جهة، ولتتلاقى مع عالم العمل وتلبِّي حاجات المجتمع من جهة أخرى. لذا يجب النظر إلى التعليم والتدريب في مجتمعنا بنظرة جدية لأنّ التعليم هو سلاحنا إلى النهضة. فالعلم والمعرفة سلاح يمكن استخدامه بشكل إيجابي، كما يمكن أيضاً نزع هذا السلاح بطريقة جديدة، أي ليس بالحرمان منه ولكن بتفريغه من داخله والإبقاء على الشكل وخلخلة المضمون، إلى درجة أن يرتد إلى رقاب منشئيه ويفتك بهم. صحيح هناك مدارس وجامعات يذهب إليها أبناؤنا بكل صباح ويعودون منها كل مساء، وهناك كتب توزّع وتقرأ وقد تحفظ أيضاً، ولكنها لا تفي بالغرض المطلوب، لأنّ التعليم أصبح لدينا في الأعم والأشمل هي قضية شكل أكثر منه قضية جوهر، وقضية مؤسسات أكثر من قضية محتوى وأهداف واضحة المعالم التعليمية، فنحن حتى الآن اعتمدنا على النقل في الشؤون التعليمية والتربوية دون إعمال العقل بصورة ابتكارية، وهنا يجب أن نفرق بين مفهومين لأعمال العقل أحدهما إعمال العقل الابتكاري من أجل التغيير والتطوير، والثاني استعمال العقل المسالم الذي فكر في إطار من المألوف بين الناس، بحيث لا يصطدم مع العرف وإن كان خاطئاً ولا يتعارض مع رأي ذاع، بالغاً ما بلغ من الفساد. لذا يجب أن نتوخّى في تعليمنا ما يسمّى بالتعليم السلمي أي أنه يقاد ولا يقود يساس ولا يسوس، فنحن نهتم بالكم وليس بالكيف، فمثلاً عندما ننظر إلى مستوى التحصيل والذي نشكو منه والذي يصطدم كثير منا من حيث الكيف والمستوى والأعداد، وصحيح أنّ كل ذلك ليس سببه نظام التعليم وحده بل تتداخل معه أسباب أخرى، ومع هذا فإنّ نظام التعليم يتحمّل الكثير من هذا القصور وهذا القصور يتمثل في الكم، لذا فإنّ الاعتماد على النقل كما يظهر في تعليمنا والاهتمام بالشكل كان نتيجة لأننا نحرص على ما يتم تعلمه وذاك خطأ، إنما يجب أن نحرص على ما يقودنا إلى التعليم المستمر، لذلك يجب وضع أسس للتعليم المستمر لخلق مجتمع دائم التعليم، من أجل أن يستمر أبناؤنا في الإبحار في رحلة حياتهم مزوّدين بما تعلّموه في بدايتها من أساسيات، وليس الاكتفاء بنيْل الشهادة وكأنها الاكتفاء من التعليم، كما يجب أن لا نستمر في الأخطاء السائدة بين المتخصصين في التعليم من التربويين، فهناك النقاش العقيم بين التخصصات العلمية والشرعية وما اصطح عليه في هذا الاتجاه، وذلك في رأيي إحدى القضايا العالقة دون تمحيص العقل، فالتعليم شيء متكامل وأساس لخلق مواطن يتعايش مع العصر والتخصص أمر لاحق للتعليم وليس سابقاً له.
وعندما نتحدث عن التعليم المستمر والتعليم من أجل الحياة وشعارات من هذا القبيل، فإننا غالباً ما نذكر فيه كعرب ومسلمين في صدر الإسلام الخالد الذي حث على التعليم، فالتعلم ذاك هو تراثنا الثقافي العظيم القريب إلى قلوبنا، ومع هذا فالحديث في العموميات مضر أيما ضرر في ذاك التراث العلمي وفي القرون الأولى من النهضة الإسلامية حيث تكمن كل القيم الإيجابية، ففي القرون الأربعة الأولى من الإسلام، تطوّر التعليم العربي الإسلامي ولم يقتصر أمره على العقيدة واللغة، بل تطوّر إلى ميادين أخرى في الفلك والرياضيات والطبيعة والكيمياء والطب والهندسة والفلسفة، وترجمت الكتب الإغريقية والفارسية والهندية إلى العربية، كما ترجمت الكتب العربية إلى اللغات الأخرى وكانت مصدراً من مصادر التعليم، ولكن في السنوات اللاحقة للقرن الرابع الهجري بدأ الانحدار وتضاءلت المدرسة العربية الإسلامية، حتى أوشكت على الزوال بتقاليدها العظيمة فما هو السبب؟ السبب هو راجع إلى الاختلاف في الاجتهادات إلا أن النتيجة واحدة وهي أن الركود الاقتصادي والعلمي والثقافي سحب نفسه على الوطن الإسلامي من بعد تفرّق السبل، فالخلافات والمنازعات وأربعة تالية طويلة ومملة من الركود والتخلُّف، وغطيت فيه الثقافة العربية والتعليم والحياة الأدبية والعربية فيها، بغطاء كثيف من التعصب والخزعبلات، وفي الوقت الذي كان هناك طلب وحث على البحث العلمي في القرن الثالث والرابع الهجري، حتى أصبح متسامحاً معه في القرون القليلة التالية، وتحوّل في عصور الركود والتخلف إلى شيء من السحر والهرطقة، فأصبح محارباً برجاله ونتائجه على حد سواء ونما شيء جديد في العقل العربي الإسلامي، وهو وضع العلم كشيء مضاد للعقيدة إلى درجة أن شخصية مثل الرازي نتغنّى بها ونفخر بها اليوم، اتهم بالهرطقة والكفر، ففي هذه العصور المظلمة والتي تخلّفنا فيها سياسياً واجتماعياً وثقافياً وعلمياً، تكمن جملة من المشكلات التي نواجهها في إطار التعليم والتطور اليوم، فما وصل إلينا من بصيص معرفي ومتطلّبات علمية من المتقدين ثم نما وتطور في القرن السابق، وصل إلينا في حقيقة الأمر نتيجة الدفع الذاتي لما عرفه السابقون في العصور الإسلامية الأولى، وعندما نتغنى اليوم بإنجازنا الحضاري، فإنما نتغنى في حقيقة الأمر بتلك العصور الذهبية الأولى، وإذا كان الأمر الإيجابي له قوة ذاتية نبسطه على الزمن، فإن الأمر السلبي كذلك أيضا- لذا فإن المعوقات التي تواجه تعليمنا نجد أن جذورها ضاربة، وهي نوع من التخلُّف الذي يبعدنا عن الواقع الذي نعيشه والتي تطل علينا برأسها في شكل دعاوى فكرية تكمن حيناً لتظهر من جديد في أشكال أخرى، وهي من العقل نافرة وإلى المنطق فقيرة وإلى الوراء ناظرة، لذا المطلوب من الهيئة العامة لضمان الجودة والأداء أن تجعل من التعليم له دور في خلق مجتمع جديد، وأن تجعل من المتعلمين طبيعيين ومشاركين متعاونين، لذا يجب أن يكون محرك التعليم في بلادنا الانتماء إلى العصر عن طريق الإشباع الذاتي للحاجات الأساسية سواء مادية أو معنوية.
لذا فإن هموم التعليم والمدارس في وطننا العزيز كثيرة ومتعددة أطرحها على الهيئة العامة لضمان جودة وأداء التعليم وإلى رجال التربية والتعليم لشعورنا العميق بأنها من أولياتنا الملحة. لقد أصبح العلم كمنهج وكنشاط اجتماعي بمثابة المحرك الذي لا بد منه لعملية النمو الاقتصادي، فلن تنجح أمة من الأمم الحديثة في التقدم إلا بتطوير وسائل إنتاجها، ولن يتحقق لها ذلك إلا من خلال قوة بشرية أتاح لها التعليم المنظم الحديث استغلال طاقة أفرادها عن طريق المبادرة والتفكير المستقل وإعطاء العقل دوره في الحياة.
Twhad-alfozan@yahoo.comجامعة المجمعة - كلية التربية - m.alfozan@mu.edu