لا وقت للكلمات ولا الخطوات، يبدو الوقت أمامنا بعمر شهقة واحدة لا أكثر..
كيف تسرب الوقت من بين أصابعنا؟ كيف فرطنا في تلك اللحظات الثمينة؟ تركنا ميداناً واسعاً، حتى اختنقنا في هذا الزقاق المعتم الضيق..
هانحن ندفع الثمن غالياً، كانت هذه العبارات تتناوب الصعود والهبوط مع أنفاسي، تطوف برأسي، أخنقها وأعيدها إلى داخلي حين توشك الاقتراب إلى طرف لساني.. لا أريد أن أنبس بكلمة واحدة سلبية تثبّط عزائمنا، نظرت إليها أيقنت بأن ما يسكنها الآن هو ذاته ما يحتلني ويبعثرني..
الساعة التاسعة مساء ولا مجال لتبادل الاتهامات فيما بيننا، هو وقت العمل، غداّ الساعة الخامسة مساء موعد تسليم البحث، هذا يعني أن لدينا أقل من 24 ساعة للانتهاء من دراسة الحالة لدينا، المطلوب منا (دراسة حالة) تتضمن تحليلاً لمشكلة صعبة جداً يواجهها أحد الفنادق، الذي كان يوماً ناجحاً شهيراً في عالم السياحة والأعمال، ثم أخذت تواجهه العثرات شيئاً فشيئاً حتى أصبح مهدداً بالفشل والخسائر ومن ثم الإغلاق، المطلوب منا وضع نظام معلومات محكم باستخدام الحاسب الآلي ووضع حل ناجع له باستخدام النظريات التي درسناها في محاضرات هذه المادة الثقيلة الصعبة، يا للخيبة إن لم نفعل! هذا يعني إخفاقاً في هذا البحث يهددنا برسوبٍ في المادة بأكملها، يا ألله.. كن معنا!
سبق لنا إعداد مسودة عمل لها لكن لم تكتمل بعد لا فائدة والساعة الآن التاسعة، يا للأسى!
شعرت بأن صخرة هي من السقوط قاب قوسين أو أدنى، قد تعامدت على رأسي الآن، لكن لابد من تناسي ذلك كله والاستغراق في العمل..
نحن ثلاث طالبات نمثل مجموعة، هكذا قامت بتصنيفنا الأستاذة المشرفة على المادة، بالمصادفة فقط، دونما تخطيط لذلك كنا جميعاً سعوديات، ولو كان فينا طالباً أو طالبة أجنبية لكان هذا أفضل، لكن الله وحده المعين، قمنا بتوزيع العمل فيما بيننا وعقارب الساعة تزحف سريعاً، والمادة علمية ثقيلة تحتاج عباراتها إلى تحليل وتفكيك ومن ثم إعادة تركيب من خلال صياغتها بأنفسنا، نبدو في أشد حالات التوتر، تفاهمنا واتفقنا بالنظرات علينا الصمت عن أي شيء، ليس أمامنا سوى العمل.. استأذنت زميلتنا الثالثة أخذت الجزء المخصص لها وغادرت إلى غرفتها التابعة لسكن الجامعة أقنعتنا أن تركيزها سوف يكون أكثر حين تختلي بالعمل وحيدة..
الوقت يمضي والعمل يسير على قدم وساق، هي متمرسة محترفة لأعمال الكمبيوتر والإنترنت والطباعة وأنا في شؤون القراءة وتحليل العبارات والترجمة ومن ثم إعادة صياغة الجمل بحكم عشق اللغة الذي يسكنني، لكن ليست تلك اللغة التي تخنقني الآن..
حمدنا الله أن المكتبة مفتوحة للعمل أربع وعشرين ساعة بلا توقف تحتشد بالطلبة والطالبات، الذين يتضاءل عددهم أو يزيد حسب ظروف الدراسة والأبحاث الجامعية، المطلوبة أو كما يسمونه هنا
Course work
(كورس وورك)، لكن العمل معقدٌ وصعب ونحن بحاجة إلى وقت أطول..
(هس هس).. صهٍ، صهٍ.. لا تتحدثي، دعي الحديث لاحقاً..
تِكْ، تِكْ، تِكْ.. الثانية.. الرابعة، الخامسة، صلينا الفجر، وبدأ النور يظهر ونحن في حال عجيبة لا يسعنا الوقت لتحليلها ولا تصنيفها أو حتى مجرد التفكير فيها! - يتبع -