المشهد السياسي العراقي يعيش أزمة خانقة لا تشابه الأزمات السابقة التي افتعلتها السلطة الحاكمة في المنطقة الخضراء ولم تستطع حكومة المركز في بغداد تطويقها وإفشال التظاهرات الشعبية في الأنبار ونينوى وصلاح الدين وامتد تأثيرها إلى منطقة ديالى وكركوك وأخيراً بغداد.
هذا الرفض والسخط الشعبي ضد حكومة المنطقة الخضراء لم يأت بصورة مفاجئة، بل هي نتيجة تراكمات سلبية ضد مصلحة الشعب العراقي الصابر الذي عاش أكثره منذ الغزو الإنكلو/أمريكي وبدعم إيراني حالات قاسية من التهميش والاضطهاد والحرمان من أبسط الحقوق المدنية واحتكار السلطة والمصالح الاقتصادية والنفعية لمجموعة تنضوي تحت مظلة تكتلات حزبية مذهبية تشكل مكوناته التحالف الوطني الشيعي، أما بقية الكتل السياسية فيخطط لها محاولات الإسقاط السياسي وتهديد توحدها بانقسامات تنظيمية تفكك تشكيلاتها السياسية بطريقة الإغراء المادي والوظيفي ومن يرفض هذا الأسلوب الإغرائي تفتح أمامه أبواب المعتقلات والسجون الخاصة بتسخير مواد قانون الإرهاب والضمير الفاسد للمخرب السري وتحريك دوائر المساءلة والعدالة لاجتثاثهم سياسياً وإبعادهم عن المجتمع السياسي وحجب كتل عديدة عن ممارسة حقوقهم المدنية والسياسية واختصار السلطة التنفيذية بكل آلياتها بكف واحدة تتوهم بأنها صاحبة الحق في السيطرة على أجنحة الحكم الأمنية والتنفيذية وهيمنة هذه المجموعة المرفوضة شعبياً على الموارد المالية للدولة وتسخيرها لمصالح كتلته المتنفذة منفردة تسهل ارتفاع نسبة الفساد المالي والإداري حتى احتلت الدولة العراقية الميدالية الذهبية للفساد الشامل في العالم.
الوضع الفوضوي السياسي والأمني الذي تعيشه بغداد حالياً جاء ثمرة مسموعة لما بذره السفير بريمر المندوب السامي للاحتلال الإنكلو/أمريكي من ترسيخ أيدلوجية الديمقراطية الطائفية بتشكيل مجلس الحكم الأول من مكونات طائفية وعرقية ويتندر العراقيون لوضع الرفيق حميد مجيد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي في خانة حصة المذهب الشيعي في مجلس الحكم الطائفي.
وجاء الدستور العراقي الحالي مخططاً هندسياً طائفياً رسمه بريمر مهندس النظام الديمقراطي الذي يرتكز على أعمدة المحاصصة المذهبية والعرقية الذي وسع الهوة بين أبناء الشعب العراقي الواحد وقسمه جغرافياً على أساس المذهب الديني والعرق القومي وأصبح التمييز الطائفي صفة نظام الحكم العراقي الحالي والذي تخبط في السيطرة على دفة الحكم لأكثر من عشرة أعوام دون تقديم أي خدمة أساسية للمواطنين وأصبح العراق الذي تسجل موازنته المالية أعلى رقماً في تاريخ العراق السياسي «مائة وعشرة مليارات من الدولارات» يعيش أبناؤه دون كهرباء وماء صالح للشرب وتخلف تعليمي وصبحي وخنق للحريات العامة دون تحقيق أي مطلب شرعي للمتظاهرين مما زاد في سقف مطالبهم إلى إسقاط الحكومة الحالية.
إن فقدان الثقة بين الحكومة الاتحادية وأبناء الشعب العراقي يعمق الخلاف بينهما وغياب الحكمة والخبرة السياسية يبعد قرارات الحكومة عن طريق العدالة والحق ويؤدي للعصيان العام.
ومع تأكيد نداءات المتظاهرين على الوحدة الوطنية ونبذ الفتنة الطائفية إلا أن نظام المنطقة الخضراء يحاول إلصاق صفة الطائفية على التظاهرات الشعبية ويحاول التقليل من تأثيرها الشعبي إلا أن اتساع محيط انتشارها حتى دخل ساحات بغداد وبابل والبصرة وذي قار أخاف النظام الحاكم وسهّل الطريق نحو ظهور تشكيلات مسلحة مذهبية كحركة حزب الله ودعوة أمينه العام واثق البطاط لإنشاء جيش المختار الذي سيقتل كل مواطن يعارض الحكومة الحالية وبدأ في جرائم الاغتيال بمنطقة السيدية القريبة من بغداد.
إن أي شرارة طائفية ستحيل المشهد العراقي إلى حريق شامل يبدأ وينتهي في المنطقة الخضراء وينهي النظام الحاكم الطائفي.
إن محاولات تجاهل مطالب الشعب العراقي سيؤدي إلى غليان الشعب وانفجاره سيحول وحدة البلاد الوطنية إلى مكونات جغرافية مذهبية وفوضى أمنية دموية تحقق الهدف الأساسي لديمقراطية بريمر الطائفية.
إن الله سبحانه وتعالى قد رحم سفينة الصحراء الجمل بخلقه دون مرارة ليعيش حياته صابراً إلا أن شعب العراق قد انفجرت مرارته من تسلط وظلم وتعذيب دعاة العملية السياسية الطائفية ويثمر الله صبرهم بالفرج والنصر القريب.
عضو هيئة الصحفيين السعوديين - جمعية الاقتصاد السعودية