حظي مقال الأسبوع الماضي المنشور في هذه الزاوية، تحت عنوان (أرفع عقالي من جديد)، باهتمام كبير وتعليقات كثيرة في وسائل مختلفة، كان من أبرزها ما سطره الزميل سالم عطاالله في جريدة الرياضية في العدد (9263) يوم الخميس الموافق 27/ 3/ 1434هـ، تحت عنوان (لا ترفع عقالك يا عثمان). وكان الزميل لطيفاً وكريماً في ثنائه وعباراته المنتقاة، وفي تسليمه بهدف المقال والمغزى منه، وهو ـ كما قال ـ المدح لإدارة الاتحاد، وهو بالفعل هدف المقال وما كان يجول في خاطري، إنصافاً لإدارة الفائز، وحتى لا يُقال إن الصحافة أو الكتّاب الرياضيين لا يحسنون غير النقد، ولا يهتمون إلا بالسلبيات. غير أن الزميل العزيز بدا وكأنه ينتقص من أسلوب المقال ومن رمزيتي التي استخدمتها في رفع العقال، وجعل في ذلك (ربط وتشبيه ما لا يُشبه)، حسب قوله، معتبراً أنه يأتي على طريقة (أرفع قبعتي). وذهب الزميل إلى أبعد من ذلك عندما قال نصاً (إذا قلت لأحد إنك ترفع عقالك له ربما يظن في الوهلة الأولى أن لديك نوايا شريرة، وتهم بكل ما تملك من أدوات إلى الدخول معه في معركة حقيقية..).
وهذا الذي يقوله الزميل صاحب العبارات الرقيقة والموغل في انتقاء كلماته غير دقيق، وبعيد كل البعد عن واقع وحقيقة العقال ولبسه ورمزية رفعه، بل إن ما قاله - مع الأسف - فيه (تسطيح) للعقال، وجهل فاضح لمفهوم لبسه، و(الرمز الحركي) من رفعه ومعانيه الكبيرة. العقال رمزٌ عربي متميز، له مكانة كبيرة عند لابسه وقيمة معنوية مرتفعة حتى عند من لا يلبسونه، وهو يدل على الشهامة والرجولة، وللعرب فيه عادات وأعراف، ويؤكد ذلك معرفة الأساس من عادات ارتدائه، واستخداماته الخاصة والمميزة، التي لا علاقة لها برفع القبعة ولا أي طريقة أخرى غربية أو شرقية، وإنما هو استخدام عربي (قح) موغل في التعبير المختصر المفيد والمفهوم جداً من غير استخدام العبارات أو الألفاظ أو حتى الكلام. فعلى سبيل المثال الرجل الذي يلقي عقاله في مجلس عام حينما يُحرج كبرياؤه لا يعود للبسه، وعندما يتقدم أحدهم بطلب خاص ويريد تلبية ما يريد بسرعة يرمي عقاله ولا يرتديه إلا حين الاستجابة لرغباته. أما رفع العقال - وهو موضوعي الأساس - فمعانيه كبيرة ومضامينه عالية جداً، وقيمته لا تقدر بثمن؛ فالعقال يدل على الشهامة والرجولة، والعقال مكانه فوق الرأس، ولا يوجد عند الإنسان مكان عالٍ وله كرامة وعز أكثر من رأسه؛ لذلك ما يوضع على الرأس له المكانة نفسها، وهو هنا العقال، وعندما يرفعه صاحبه لإنسان آخر ففي ذلك إشارة إلى التقدير والرفعة والكرامة، وهو ما يفسره السبب أو أساس العقال وبداية لبسه (الكرامة والعزة والشرف)..
وتستخدم العرب العقال في تعبيرات كثيرة وتوجيه رسائل بليغة بأسلوبها وطريقتها الخاصة في لبسه (وضعه) أو تحريكه، فما بالك عند رفعه؟!
كلام مشفر
· للبس العقال حالات، يُقصد منها التعبير وتوجيه رسالة، فإذا جعله في الوسط هذا يعني أن مزاجه (عال العال)، وإذا حركه يميناً أو يساراً فهذا يعني أن مزاجعه معكر أو أن أمراً ما يضايقه أو لا يريحه.
· وإذا رأيت شخصاً يلبس العقال عادة وهو من دون عقاله أو أرجعه إلى مؤخرة رأسه فهذا يعني أن عنده حالة وفاة (باستثناء رجال الدين والمشايخ)، أما إمالة العقال إلى أحد الجانبين فهو تعبير عن الاعتداد بالنفس.
· وإذا كان رفع العقال تعبير عن التقدير والرفعة والمكانة فإن تنكيسه دليل على التحقير والتصغير والإهانة، وقد يكون التنكيس دلالة على الحزن الشديد، ويُستخدم ضد شخص قام بعمل سيئ من قِبل قبيلته أو جماعته أو حتى بشكته عبارة (نكسة عقولنا).
· أذكر بهذه المناسبة طرفة حصلت في مجلس فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - يرحمه الله - فقد سأله سائل عن حكم لبس العقال، وهل هو حلال أم حرام، فرد سماحته - غفر الله - له عملياً بحركة، قام بها، إذ أخذ عقالاً ووضعه على رأسه، وقال للسائل «هات السؤال اللي بعده»، كدليل أو إجابة عملية ألا شيء في لبس العقال للرجال.
· يقول الزميل (إذا قلت لأحد إنك ترفع عقالك له ربما يظن في الوهلة الأولى أن لديك نوايا شريرة، وتهم بكل ما تملك من أدوات إلى الدخول معه في معركة حقيقية..)، وهذا صحيح عندما يكون القائل (عربجي أو بلطجي أو من الشبيحة).
· أخيراً، أقول للزميل عطا الله عساه من كل شر سالم (أطلق العقال الذي في نفسك)، وهذه نصيحة ينبغي أن تقال لكل كاتب - وأنا أولهم - وهي مثل شعبي المقصود به (اترك عنك الفتنة التي في نفسك).